المسألة الثانية : المراد بالذكر في هذه الأيام : ، فإنه يكبر مع كل حصاة ، والذكر أدبار الصلوات ، والناس أجمعوا على ذلك ، إلا أنهم اختلفوا في مواضع : الذكر عند الجمرات
الموضع الأول : أجمعت الأمة على أن . التكبيرات المقيدة بأدبار الصلوات مختصة بعيد الأضحى ، ثم في ابتدائها وانتهائها خلاف
القول الأول : أنها تبتدأ من الظهر يوم النحر إلى ما بعد الصبح من آخر أيام التشريق فتكون التكبيرات على هذا القول في خمس عشرة صلاة ، وهو قول ابن عباس ، وبه قال وابن عمر مالك رضي الله عنهما في أحد أقواله ، والحجة فيه أن الأمر بهذه التكبيرات إنما ورد في حق الحاج ، قال تعالى : ( والشافعي فاذكروا الله كذكركم آباءكم ) ثم قال : ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) وهذا إنما يحصل في حق الحاج ، فدل على أن الأمر بهذه التكبيرات إنما ورد في حق الحاج ، وسائر الناس تبع لهم في ذلك ، ثم إن صلاة الظهر هي أول صلاة يكبر الحاج فيها بمنى ، فإنهم يلبون قبل ذلك ، وآخر صلاة يصلونها بمنى هي صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، فوجب أن تكون هذه التكبيرات في حق غير الحاج مقيدة بهذا الزمان .
القول الثاني : رضي الله عنه أنه يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة النحر ، إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وعلى هذا القول تكون التكبيرات بعد ثماني عشرة صلاة . للشافعي
والقول الثالث رضي الله عنه : أنه يبتدأ بها من صلاة الفجر يوم للشافعي عرفة ، وينقطع بعد صلاة [ ص: 165 ] العصر من يوم النحر فتكون التكبيرات بعد ثمان صلوات وهو قول علقمة والأسود والنخعي . وأبي حنيفة
والقول الرابع : أنه يبتدأ بها من صلاة الفجر يوم عرفة ، وينقطع بعد صلاة العصر من يوم النحر من آخر أيام التشريق ، فتكون التكبيرات بعد ثلاث وعشرين صلاة ، وهو قول أكابر الصحابة ، كعلي وعمر وابن مسعود ، ومن الفقهاء قول وابن عباس الثوري وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق والمزني وابن شريح ، وعليه عمل الناس بالبلدان ، ويدل عليه وجوه :
الأول : ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة ، ثم أقبل علينا فقال : الله أكبر ، ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق .
والثاني : أن الذي قاله أخذ بالأقل ، وهذا القول أخذ بالأكثر ، والتكثير في التكبير أولى لقوله تعالى : ( أبو حنيفة اذكروا الله ذكرا كثيرا ) [الأحزاب : 41] .
الثالث : أن هذا هو الأحوط ؛ لأنه لو زاد في التكبيرات فهو خير من أن ينقص منها .
والرابع : أن هذه التكبيرات تنسب إلى أيام التشريق ، فوجب أن يؤتى بها إلى آخر أيام التشريق .
فإن قيل : هذه التكبيرات مضافة إلى الأيام المعدودات وهي أيام التشريق ، فوجب أن لا تكون مشروعة يوم عرفة .
قلنا : فهذا يقتضي أن لا يكبر يوم النحر ، وهو باطل بالإجماع ، وأيضا لما كان الأغلب في هذه المدة أيام التشريق ؛ صح أن يضاف التكبير إليها .
الموضع الثاني : قال رضي الله عنه : الشافعي أن تكون ثلاثا نسقا ، أي متتابعا ، وهو قول المستحب في التكبيرات مالك ، وقال أبو حنيفة وأحمد : يكبر مرتين ، حجة ما روى الشافعي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، قال : رأيت الأئمة يكبرون في أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا ، ولأنه زيادة في التكبير ، فكان أولى لقوله تعالى : ( اذكروا الله ذكرا كثيرا ) ثم قال رضي الله عنه : ويقول بعد الثلاث : "لا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولله الحمد" ثم قال : وما زاد من ذكر الله فهو حسن ، وقال في التلبية : وأحب أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفرق أن من سنة التلبية التكرار فتكرارها أولى من ضم الزيادة إليها ، وههنا يكبر مرة واحدة فتكون الزيادة أولى من السكوت ، وأما الشافعي فقد روي التكبير على الجمار ، فينبغي أن يفعل ذلك . أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر مع كل حصاة