الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
21208 9251 - (21715) - (5\196) عن قيس بن كثير، قال: قدم رجل من المدينة إلى أبي الدرداء، وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك، أي أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا. قال: ما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم، قال: [ ص: 498 ] فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به، أخذ بحظ وافر ".

التالي السابق


* قوله : "بدمشق": بكسر دال وفتح ميم - .

* "قال: فإني سمعت": يحتمل أن هذا الحديث هو الحديث المطلوب للرجل، أو غيره، ذكره تبشيرا له، وترغيبا في مثل ما فعل.

* "سلك الله به": يحتمل أن الباء للتعدية، وضمير "به" إلى "من" أي جعله الله تعالى سالكا طريقا إلى الجنة، ويحتمل أن سلك بمعنى: سهل، والباء للسببية، والضمير للعلم، والعائد إلى "من " محذوف؛ أي: سهل الله له بسبب العلم، وهو إما كناية عن التوفيق للخيرات في الدنيا، أو عن إدخال الجنة بلا تعب في الآخرة.

* "وإن الملائكة. . . إلخ": جملة معطوفة على الجملة الشرطية، وكذا الجمل بعدها.

* "لتضع أجنحتها": يحتمل أن يكون على حقيقته، وإن لم تشاهد؛ أي: تضعها لتكون وطاء له إذا مشى، أو تكف أجنحتها عن الطيران، وتنزل لسماع العلم، وأن يكون مجازا عن التواضع؛ تعظيما لحقه، وتوقيرا للعلم .

* "رضا": مفعول له، وليس فعلا لفاعل المعلل، فتقدر مضافا ؛ أي: إرادة رضا.

[ ص: 499 ]

* "ليستغفر للعالم": أداء لحقه، ومجازاة على حسن صنيعه؛ بإلهام من الله تعالى إياهم ذلك، وذلك لعموم نفع العلم؛ فإن مصالح كل شيء ومنافعه منوطة به.

* "والحيتان": جمع حوت.

* "كفضل القمر": فإن كمال العلم كمال تتعدى آثاره إلى الغير، وكمال العبادة غير متعد، فشابه الأول بنور القمر، والثاني بنور سائر الكواكب، والمراد بالعالم: من غلب عليه الاشتغال بالعلم، مع اشتغاله بالأعمال الضرورية، وبالعابد: من غلب عليه العبادة مع اطلاعه على العلم الضروري، وأما غيرهما، فبمعزل عن الفضل.

* "لم يورثوا": من التوريث.

* "بحظ": نصيب.

* "وافر": تام كثير، وقد جاء عن زكريا بن يحيى الساجي، قال: كنا نمشي في بعض أزقة البصرة إلى دار بعض المحدثين، فأسرعنا المشي، وكان معنا رجل متهم في دينه، فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها؛ كالمستهزئ، فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط.

* * *




الخدمات العلمية