الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل من أقر بطفل أو مجنون مجهول نسبه أنه ولده وأمكن لحقه ، ولو أنكر بعد بلوغه ، ويرثه أقاربه ويرثهما ، وقيل : لا يلحق بامرأة ، وعنه : مزوجة وعنه : لا يلحق بمن لها نسب معروف ، وأيهما لحقه لم يلحق الآخر ، ولا يلحق بعبد أو كافر رقا ودينا بلا بينة ، إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه ، وقيل : وكذا في حريته ، وإن ادعاه اثنان قدم ذو البينة ثم السابق ، وإلا فقد تساويا مطلقا ، نص عليه .

                                                                                                          وفي الإرشاد وجه : لا تسمع دعوى كافر بلا بينة .

                                                                                                          وفي الترغيب : من له يد غير يد التقاطه فأراد غيره استلحاقه وله بينة وكذلك الثاني ففي تقدمه باليد احتمالان ، وبينة الخارج مقدمة ، على الأصح ، وتقدم امرأة هو في بيتها على امرأة ادعته ، ويحتمل التساوي .

                                                                                                          فإن تساويا في بينة أو عدمها أرى القافة معهما [ ص: 531 ] أو مع أقاربهما إن ماتا ، كأخ وأخت وعمة وخالة وأولادهم ، ولا يقبل إقراره لأحدهما مع كبره ، نص عليه ، للتهمة ، قاله في الواضح ، فإن ألحقته بواحد .

                                                                                                          وقال في المحرر : أو توقفت فيه ونفته عن الآخر لحق ، وإن ألحقته بامرأتين لم يلحق بل برجلين ، فيرث كلا منهما إرث ولد كامل ، ويرثانه إرث أب واحد ، ولهذا لو أوصى له قبلا جميعا ليحصل له ، وإن خلف أحدهما فله إرث أب كامل ، ونسبه ثابت من الميت ، نص عليه ، ولأمي أبويه مع أم أم نصف سدس ، ولها نصفه ، وإن نفته عنهما أو أشكل أو عدمت أو اختلف قائفان ضاع نسبه ، نص عليه في الأولى .

                                                                                                          وقيل : يلحق بهما ، ونقل ابن هانئ يخير ، ولم يذكر قافة ، وأومأ أنه يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما ، اختاره ابن حامد ، ثم إن ألحقته بغيره بطل انتسابه ، وذكر ابن عقيل وغيره الوجه الثاني أن يميل بطبعه إليه ، لأن الفرع يميل إلى أصله فيشترط أن لا يتقدمه إحسان ، لأنه يغطي كتغطية الطيب ريح النجاسة ، فلو قتلاه قبل أن يلحق بواحد منهما فلا قود ولو رجعا لعدم قبوله ، وإن رجع أحدهما انتفى عنه وهو شريك أب ، بخلاف التي بعدها ، لبقاء فراشه مع إنكاره ، وكذا إن وطئت امرأة بشبهة أو اشتراك في طهر واحد ، واختار أبو الخطاب إن [ ص: 532 ] ادعاه الزوج لنفسه لحقه ، وفي الانتصار رواية مثله ورواية كالأول .

                                                                                                          ونقل أبو الحارث فيمن غصب امرأة رجل فولدت عنده ثم رجعت إلى زوجها كيف يكون الولد للفراش ؟ مثل هذا إنما يكون له إذا ادعاه ، وهذا لا يدعيه فلا يلزمه ، وقيل : إن عدمت [ القافة ] فهو لرب الفراش .

                                                                                                          وقال من لم ير القافة : لو عمل بها لعمل في : ليس الولد مني بل من زنا في نسب وحد . فأجاب في الانتصار : إذا شك في الولد نقل عبد الله ومحمد بن موسى : يرى القافة ، فإن ألحقته به لحق ، وإن ألحقته بالزاني لم يلحق به ولا بزان ولا حد ، وإن سلمنا [ على ] ما رواه الأثرم فالقافة ليست علة موجبة ، بل حجة مرجحة لشبهة الفراش . فإن أنكره الزوج ولحقه بقافة أو انتساب ففي نفيه بلعان روايتان ( م 10 ) ومن ادعاه اثنان فقتله أحدهما قبل إلحاق قافة فلا قود ، فلو ألحقته [ ص: 533 ] بغيره وجهان ( م 11 ) والثلاثة فأكثر كاثنين في الدعوى والافتراش .

                                                                                                          نص عليه في ثلاثة . وأومأ في أكثر ، ولم يلحقه ابن حامد بهم ، ويكون كدعوى اثنين ولا قافة ، وعنه يلحق بثلاثة ، اختاره القاضي وغيره وذكروا أن فيما زاد روايتين .

                                                                                                          وتعتبر عدالة القائف وذكوريته وكثرة إصابته ، وقيل : وحريته ، وذكره في الترغيب عن أصحابنا ، وجزم بأنه يعتبر شروط الشهادة ، ويكفي واحد ، نص عليه ، وعنه : اثنان . فيعتبر منهما لفظ الشهادة ، نص عليه .

                                                                                                          وفي الانتصار قال : كالمقومين ، ولا يبطل قولها بقول أخرى ولا بإلحاقها غيره ، قال ابن عقيل : لا ينبغي أن يقتصر القائف على الصورة ، لأنه قد يظهر الشبه في الشمائل والحركات ، كقول قائلهم :

                                                                                                          يعرفه من قاف أو تقوفا بالقدمين واليدين والقفا     وطرف عينيه إذا تشوفا

                                                                                                          وإن عارض قول اثنين قول ثلاثة فأكثر أو تعارض اثنان سقط [ ص: 534 ] الكل ، وإن اتفق اثنان وخالفا ثالثا أخذ بهما ، نص عليه ومثله ، بيطاران وطبيبان في عيب ، ولو رجعا ، فإن رجع أحدهما لحق بالآخر ونفقة المولود على الواطئين ، فإذا ألحق بأحدهما رجع الآخر بنفقته ويعمل بقافة في ثبوت غير بنوة ، كأخوة وعمومة ، عند أصحابنا ، وعند أبي الخطاب : لا ; كإخبار راع بشبه وفي عيون المسائل في التفرقة بين الولد والفصيل لأنا وقفنا على مورد الشرع ، ولتأكد النسب ، لثبوته مع السكوت ، ونقل صالح وحنبل : أرى القرعة والحكم بها يروى { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقرع في خمس مواضع ، فذكر منها إقراع علي في الولد بين الثلاثة الذين وقعوا على الأمة في طهر واحد } ، ولم ير هذا في رواية الجماعة ، لاضطرابه ، ولأن القافة قول عمر وعلي ، واحتج أحمد في القافة بأن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول المدلجي وقد نظر إلى أقدام زيد ، وأسامة : إن هذه أقدام بعضها من بعض وبخبر عائشة : { رأى شبها بينا بعتبة } .

                                                                                                          قال : وبلغني أن قريشا ولد له ابن أسود ، فغمه ذلك ، فسأل [ ص: 535 ] بعض القافة فقالوا : الابن ابنك ، فسأل القرشي أمه عن أمره ، فقالت : لست ابن فلان ، أبوك فلان الأسود .

                                                                                                          وبلغني أن السارق يسرق بمكة فيدخل إلى البيت الذي يسرق منه فيرى قدما ثم يخرج إلى الأبطح فيقوم عليه فيمر به فيعرفه .

                                                                                                          وفي كتاب الهدى : القرعة تستعمل عند فقدان مرجح سواها من بينة أو إقرار أو قافة ، قال : وليس ببعيد تعيين المستحق في هذه الحال بالقرعة ، لأنها غاية المقدور عليه من ترجيح الدعوى ، ولها دخول في دعوى الأملاك التي لا تثبت بقرينة ولا أمارة ، فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول القائف أولى .

                                                                                                          ومن له عبد ، له ابن ، وللابن ابنان ، فقال أحدهم : ولدي ، فإن لم يكن العبد الأكبر معروف النسب وادعى أنه المقر به فينبغي أن يقبل ويعتقوا ، ويثبت نسبهم منه بصحة إقراره به فقط ، لأن شرطه جهالة النسب ، فيصرف إقراره إلى من يصح ، وإن كان نسبه معروفا تساووا ، ولم يثبت نسب المقر به ، بل حريته ، لأنها في ضمن إقراره ، فيقرع ، ذكره الشيخ في فتاويه .

                                                                                                          [ ص: 532 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 532 ] مسألة 10 ) قوله : فإن أنكره الزوج ولحقه بقافة أو انتساب ففي نفيه بلعان روايتان ، انتهى . وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة .

                                                                                                          ( إحداهما ) لا يملك نفيه باللعان ، وهو الصحيح ، قاله في المغني والشرح ، وهو الصواب .

                                                                                                          ( والرواية الثانية ) يملك ذلك ، صححه ابن نصر الله في حواشيه ، وهذا ضعيف [ ص: 533 ]

                                                                                                          ( مسألة 11 ) قوله : ومن ادعاه اثنان فقتله أحدهما قبل إلحاق قافة فلا قود ، فلو ألحقته بغيره فوجهان ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) لا قود ( قلت ) : وهو الصواب ، لوجود شبهة ما ، وقول القافة ليس مقطوعا به . ثم وجدت ابن نصر الله قال في حواشيه : هذا أظهر الوجهين ، انتهى .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يقاد به ، فهذه إحدى عشرة مسألة في هذا الباب




                                                                                                          الخدمات العلمية