الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1225 46 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر قال : فرأيت عينيه تدمعان قال : فقال هل منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا قال : فانزل قال : فنزل في قبرها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة وهي قوله : " وما يرخص من البكاء في غير نوح " في قوله : " فرأيت عينيه تدمعان " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول عبد الله بن محمد المسندي . الثاني أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي . الثالث فليح بضم الفاء ابن سليمان . قال الواقدي : اسمه عبد الملك وفليح لقب غلب عليه . الرابع هلال بن علي بن أسامة العامري . الخامس أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في [ ص: 76 ] ثلاثة مواضع ، وفيه عن هلال ، وفي رواية محمد بن سنان الآتية عن قريب ، حدثنا هلال ، وفيه أن شيخه بخاري وأنه من أفراده ، وأبو عامر بصري وفليح وهلال مدنيان ، وفيه اثنان أحدهما مذكور بكنيته والآخر بلقبه .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن محمد بن سنان ، وأخرجه الترمذي في الشمائل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) . قوله : " بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم " هي أم كلثوم زوج عثمان رضي الله تعالى عنه ، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد . أخرجه ابن سعد في ( الطبقات ) في ترجمة أم كلثوم ، وكذا ذكره الدولابي والطبري والطحاوي . وكانت وفاتها سنة تسع . ورواه حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس فسماها رقية أخرجه البخاري في ( التاريخ الأوسط ) والحاكم في مستدركه ، قال البخاري : ما أدري ما هذا ، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها قيل : حماد وهم في تسميتها فقط ، وأغرب الخطابي فقال : هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبت إليه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس " جملة اسمية وقعت حالا . قوله : " على القبر " أي على جانب القبر وهو الظاهر . قوله : " تدمعان " بفتح الميم . قال ابن التين : المشهور في اللغة أن ماضيه دمع بفتح الميم فيجوز في مستقبله تثليث الميم ، وذكر أبو عبيد لغة أخرى أن ماضيه مكسور العين فتعين الفتح في المستقبل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لم يقارف " من المقارفة بالقاف والفاء ، قال الخطابي : معناه لم يذنب ، وقيل : لم يجامع أهله . وحكي عن الطحاوي أنه قال : لم يقارف تصحيف والصواب لم يقاول أي : لم ينازع غيره الكلام ; لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : فإن قلت : ما الحكمة فيه إذا فسرت المقارفة بالمجامعة ؟ قلت : لعلها هي أنه لما كان النزول في القبر لمعالجة أمر النساء لم يرد أن يكون النازل فيه قريب العهد بمخالطة النساء ; لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة ، ويقال : إن عثمان في تلك الليلة باشر جارية له فعلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة المحتضرة بها وهي أم كلثوم زوجته بنت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة عليه فكنى به عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال أبو طلحة " واسمه زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي شهد المشاهد ، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل " وقتل يوم حنين عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم وكان يحثو بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحرب ويقول : نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك اللقاء ، ثم ينثر كنانته بين يديه ، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يرفع رأسه من خلفه ليرى مواقع النبل ، فكان يتطاول بصدره ليقي به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مر في باب ما يذكر في الفخذ .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال " أي : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأبي طلحة فانزل قيل : إنما عينه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ; لأن ذلك كان صنعته . قال بعضهم : فيه نظر فإن ظاهر السياق أنه عليه الصلاة والسلام اختاره لذلك ; لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع . قلت : في نظره نظر لأنه كان هناك جماعة بدليل قول أنس رضي الله تعالى عنه : شهدنا بنتا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعدم وقوع الجماع من أبي طلحة في تلك الليلة لا يستلزم أن يكون مختصا به حتى يختار لذلك ، بل الظاهر إنما اختاره لمباشرته بذلك وخبرته به . وفي ( الاستيعاب ) في ترجمة أم كلثوم استأذن أبو طلحة أن ينزل في قبرها فأذن له .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز البكاء كما ترجم به بقوله : وما يرخص من البكاء في غير نوح . وفيه إدخال الرجال المرأة في قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء ، وفيه إيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الأب والزوج ، وفيه جواز الجلوس على جانب القبر ، واستدل ابن التين بقوله : " ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس على القبر " وهو قول مالك وزيد بن ثابت وعلي رضي الله تعالى عنهم . وقال ابن مسعود : وعطاء لا يجلس عليه وبه قال الشافعي والجمهور ; لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه ، فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " أخرجه مسلم . وظاهر إيراد المحاملي وغيره أنه حرام ، ونقله النووي في ( شرح مسلم ) عن الأصحاب ، وتأول مالك وخارجة بن زيد على الجلوس لقضاء الحاجة وهو بعيد ، وفي ( التوضيح ) لا يوطأ أحدكم إلا لضرورة . ويكره أيضا الاستناد إليه احتراما وقال : لو تولى النساء شأنها في القبر فحسن نص عليه في ( الأم ) .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية