الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وفي القسمة شيئان : المعادلة في المنفعة وتمييز نصيب أحدهما من نصيب الآخر وهي تتنوع نوعين : أحدهما تمييز محض وهو القسمة في المكيلات والموزونات ; ولهذا ينفرد بعض الشركاء حتى أن المكيل والموزون من جنس واحد إذا كان مشتركا بين اثنين وأحدهما غائب كان للحاضر أن يتناول من ذلك من مقدار نصيبه وبعد ما اقتسما نصيب كل واحد منهما عين ما كان مملوكا له قبل القسمة ; ولهذا يبيعه مرابحة على نصف الثمن ونوع هو تمييز فيه معنى المبادلة كالقسمة فيما يتفاوت من الثياب والحيوانات فإنما يتميز عند اتحاد الجنس وتقارب المنفعة ; ولهذا يجبر القاضي عليها عند طلب بعض الشركاء وفيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما مما يصفه كان مملوكا له ونصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه ; ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين ولا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة إذا عرفنا هذا فنقول : بدأ الكتاب بحديث يسير بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه قسم جبريل على ستة وثلاثين سهما جمع ثمانية عشر للمسلمين ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وثمانية عشر سهما فيها أرزاق أزواج رسول الله [ ص: 3 ] صلى الله عليه وسلم ونوائبه } واعلم أن خيبر كانت ستة حصون الشق والنطاة والكيبة والسلالم والغموض والوطيحة إلا أن الأموال والمزارع كانت في ثلاثة حصون منها : النسق والنطاة والكيبة وقد افتتح بعض الحصون منها عنوة وقهرا وبعضها صلحا على ما روي أن { كنانة بن أبي الحقيق مع قومه صالح على النزول ، وذلك معروف في المغازي فما افتتح منها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا ; فإنهم إنما خرجوا ; لما وقع في قلوبهم من الرعب } وقد خص الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالنصرة بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه { قال : صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر } وإلى ذلك أشار الله تعالى في قوله { : وما أفاء الله على رسوله منهم } . إلى قوله { : ولكن الله يسلط رسله على من يشاء : }

{ فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصة مع الخمس في الشطر وقسم الشطر بين الغانمين } وقد فسر ذلك محمد بن إسحاق والكلبي على ما ذكر بعد هذا عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ثمانية عشر سهما جميعا وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس ، وكان على كل مائة رجل ، فكان علي رضي الله عنه على مائة وكان عبيد السها على مائة وكان عاصم بن عدي رضي الله عنه على مائة وكان القاسم في النسق والنطاة وكانت النسق الثلاثة عشر سهما والنطاة خمسة أسهم وكانت الكتيبة فيها خمس الله وطعام أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطاياه وكان أول سهم خرج من النسق سهم عاصم رضي الله عنه وفيه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم } . الحديث إلى آخره . فهذا الحديث يبين معنى الحديث الأول ففي الحديث الأول ذكر الشطرين وأن أصل القسمة كانت على ستة وثلاثين سهما وفي الحديث الآخر ذكر مقدار ما قسم بين الغانمين أنه قسم على ثمانية عشر سهما وفيه دليل على أن للإمام في المغانم قسمين على العرفاء وأصحاب الرايات وقسمة أخرى على الرءوس الذين هم تحت كل راية وإنما يفعل ذلك ; لأن اعتبار المعادلة بهذا الطريق أيسر ; فإنه لو قسم ابتداء على الرءوس ربما يتعذر عليه اعتبار المعادلة ، ثم { لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم نفسه سهما ولكن كان سهمه مع سهم ابن عاصم بن عدي رضي الله عنه } فقيل إنه تواضع بذلك وقيل إنما فعل ذلك ; لأنه ما كان يساوي اسمه اسم في المزاحمة عند خروج القرعة ; ولهذا خرج سهم عاصم بن عدي رضي الله عنه أولا ; لأن فيه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أولى مما يقوله بعض مشايخنا إن العرافة مذمومة في الجملة فيتحرز من ذلك فإن في الجهاد وقسمة الغنائم العرافة غير مذمومة .

( ألا ترى ) أنه [ ص: 4 ] اختار لذلك الكبار من الصحابة كعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، ثم بظاهر الحديث استدل أبو يوسف ومحمد في أن سهم الفرس ضعف سهم الرجل ; لأنه قال : وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل أربعمائة فرس فعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم وعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم ولكل مائة من الخيل سهمان ولكن أبو حنيفة يقول : المراد بالرجال الرجالة قال الله تعالى { : يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } . والمراد بالخيل الفرسان يقال : غارت الخيل قال الله { : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } . أي بفرسانك ورجالتك فهذا يتبين أن الرجال كانوا ألفا وستمائة وأنه أعطى الفارس سهمين والراجل سهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية