الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منها: المنكرات العامة .

اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف ، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق وواجب أن يكون في كل مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم وكذا في كل قرية، وواجب على كل فقيه فرغ من فرض عينه وتفرغ لفرض الكفاية أن يخرج إلى من يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم ويعلمهم دينهم وفرائض شرعهم ويستصحب مع نفسه زادا يأكله ولا يأكل من أطعمتهم ، فإن أكثرها مغصوب فإن قام بهذا الأمر واحد سقط الحرج عن الآخرين وإلا عم الحرج الكافة أجمعين .

أما العالم فلتقصيره في الخروج .

وأما الجاهل فلتقصيره في ترك التعلم .

وكل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يعرف غيره وإلا فهو شريك في الإثم .

ومعلوم أن الإنسان لا يولد عالما بالشرع وإنما يجب التبليغ على أهل العلم ، فكل من تعلم مسألة واحدة فهو من أهل العلم بها .

ولعمري الإثم على الفقهاء أشد لأن قدرتهم فيه أظهر وهو بصناعتهم أليق لأن المحترفين لو تركوا حرفتهم لبطلت المعايش فهم قد تقلدوا أمرا لا بد منه في صلاح الخلق .

وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وليس للإنسان أن يقعد في بيته ولا يخرج إلى المسجد لأنه يرى الناس لا يحسنون الصلاة ، بل إذا علم ذلك وجب عليه الخروج للتعليم وكذا النهي وكل من تيقن أن في السوق منكرا يجري على الدوام أو في وقت بعينه وهو قادر على تغييره فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت بل يلزمه الخروج ، فإن كان لا يقدر على تغيير الجميع، وهو محترز عن مشاهدته ، ويقدر على البعض لزمه الخروج لأن خروجه إذا كان لأجل تغيير ما يقدر عليه فلا يضره مشاهدة ما لا يقدر عليه وإنما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر من غير غرض صحيح فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات ثم يعلم ذلك أهل بيته ثم يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السواد المكتنف ببلده ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم وهكذا إلى أقصى العالم فإن قام به الأدنى سقط عن الأبعد وإلا حرج به على كل قادر عليه قريبا كان أو بعيدا ولا يسقط الحرج ما دام يبقى على وجه الأرض جاهل بفرض من فروض دينه وهو قادر على أن يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه ، وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه يشغله عن تجزئة الأوقات في التفريعات النادرة والتعمق في دقائق العلوم التي هي من فروض الكفايات ، ولا يتقدم على هذا إلا فرض عين أو فرض كفاية هو أهم منه .

التالي السابق


(المنكرات العامة)

(اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد) الحاضرة، (فكيف في القرى والبوادي) النائية، (ومنهم الأعراب والأكراد والتركمان وسائر أصناف الخلق) وبعضهم كالهمج، (وواجب أن يكون في كل مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم) ، ويصحح عقائدهم (وكذا في كل قرية، وواجب على كل فقيه فرغ من فرض عينه وتفرغ لفرض الكفاية أن يخرج إلى من يجاور بلده من أهل السواد) أي الريف (ومن العرب والأكراد وغيرهم ويعلمهم دينهم وفرائض شرعهم) مما أوجب الله عليهم (ويستصحب مع نفسه زادا يأكله ولا يأكل أطعمتهم، فإن أكثرها مغصوبة) من حقوق الناس (فإن قام به واحد سقط الحرج عن الآخرين وإلا عم الحرج الكافة) وشملهم (أجمعين، أما العالم فلتقصيره في الخروج، وأما الجاهل فلتقصيره في ترك التعلم، وكل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يعرف غيره) بما تعلمه (وإلا فهو شريك في الإثم، ومعلوم أن الإنسان لا يولد) من بطن أمه (عالما) بالشرع (وإنما) العلم بالتعلم، ومن هنا (يجب التبليغ على أهل العلم، فكل من تعلم مسألة واحدة فهو من أهل العلم بها) ووجب عليه تبليغه إياها لغيره، (ولعمري الإثم على الفقهاء أشد لأن قدرتهم فيه أظهر وهو ببضاعتهم أليق) وأنسب; لأن (المحترفين لو تركوا حرفتهم) التي هم بإزائها (لبطلت المعايش) في الناس لاحتياج بعضهم إلى بعض فيها، (فهم قد تقلدوا أمرا لا بد منه في صلاح الخلق) من جهة المعاش (وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بواسطة شيوخه الذين تلقى عنهم ذلك، (فإن العلماء ورثة الأنبياء) ورثوا منهم علما، ولم يورثوا دينارا ولا درهما، وقد تقدم الكلام في كتاب العلم، (وليس للإنسان منهم أن يقعد في بيته) معتزلا عنهم، (ولا يخرج إلى المسجد لأنه يرى الناس لا يحسنون الصلاة، بل إذا علم ذلك وجب عليه الخروج للتعليم والنهي) ، ولا يسعه التأخر عن ذلك، (وكذلك كل من رأى منكرا) من مناكر الشرع (على الدوام) وفي بعض النسخ، وكذلك كل من تيقن أن في السوق منكرا يجري على الدوام (أو في وقت بعينه وهو قادر على تغييره) باليد أو باللسان، (فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت بل لزمه الخروج، فإن كان لا يقدر على تغيير الجميع، وهو يحترز عن مشاهدته، ويقدر على) تغيير (البعض لزمه الخروج لأن خروجه إذا كان لأجل تغيير ما يقدر عليه فلا يضره مشاهدة ما لا يقدر عليه) أي على تغييره (وإنما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر) إذا [ ص: 64 ] كان (من غرض صحيح فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات) الشرعية، (ثم يعلم ذلك أهل بيته) زوجته وولده وخادمه، (ثم يتعدى عند الفراغ منهم إلى جيرانه) ممن يعاشره ويجتمع عليه طرفي النهار (ثم إلى أهل محلته) ممن يخالطوه ويخالطهم (ثم إلى أهل بلده) عموما (ثم إلى السواد) أي الريف (المكتنف لبلده) أي المحيط به (ثم إلى البوادي من الأكراد والعرب) والتركمان (وغيرهم) من الأخلاف، (وهكذا إلى أقصى العالم فإن قام به الأدنى سقط عن الأبعد) لأنه فرض كفاية (وإلا حرج به كل قادر عليه) قريبا كان أو بعيدا (ولا يسقط الحرج) عنه (ما دام يبقى على وجه الأرض جاهل بفرض من فروض دينه وهو قادر على أن يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه، وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه يشغله عن تجزئة الأوقات) وتقسيمها (في التفريعات النادرة والتعمق في دقائق العلوم التي هي فروض الكفايات، ولا يتقدم على هذا إلا فرض عين أو فرض كفاية هو أهم منه، والله أعلم) .




الخدمات العلمية