الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء : جواب محمول على المعنى، لا على اللفظ; لأن من عبد شيئا فقد تولاه، ومن تولى شيئا فالمتولي ولي المتولى، وهذا يسمى التدريج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقد كذبوكم بما تقولون أي: بقولكم: إنهم آلهة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: فقد كذبكم - أيها المؤمنون - هؤلاء الكفار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم; فمعنى بما تقولون : بما تقولون من الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فيما تقولون.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {بما يقولون} ; بالياء; فالمعنى: بقولهم: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فما تستطيعون صرفا ولا نصرا أي: ما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم [العذاب، ولا أن ينصروها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما يستطيعون أن يصرفوك عن الحق يا محمد]، ولا أن ينصروا أنفسهم مما هم فيه من البلاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ما يستطيعون [حيلة يحتالون بها تنجيهم من العذاب، ولا نصرا لأنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 12 ] وقيل: المعنى: ما يستطيعون] فريضة ولا نافلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا يعني به: الشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أي: بلاء، و[الفتنة]: الاختبار، وقد تقدم القول فيها; فالمعنى: وجعلنا الوضيع للشريف فتنة، يقول الشريف: أمثل هذا يسبقني إلى الإسلام؟!

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: يقول الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {أتصبرون} أي: لنعلم أتصبرون؟ وقيل: هو تقرير.

                                                                                                                                                                                                                                      [ لقد استكبروا في أنفسهم أي: تجرؤوا على سؤال أمر عظيم].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا أي: حراما محرما، عن أبي سعيد الخدري، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك: أي: تقول لهم الملائكة: حرام عليكم محرما أن يكون لكم البشرى اليوم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 13 ] مجاهد: هو قول المجرمين يستعيذون من الملائكة; أي: يقولون: لا تعرضوا لنا، حسب عادتهم في الدنيا إذا رأوا ما يكرهون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا : قال مجاهد: معنى {قدمنا} : عمدنا، وقيل: هو قدوم الملائكة، أخبر به عن نفسه; لأنه تعالى فاعله.

                                                                                                                                                                                                                                      و[الهباء المنثور]: شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة، عن علي، وابن عباس، وغيرهما، وواحدته: [هباءة].

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: هو ما تسفيه الرياح من التراب، وتذروه من حطام الشجر، وعنه أيضا: هو الماء المهراق، وأصله من [أهبى التراب إهباء]; إذا أثاره.

                                                                                                                                                                                                                                      [والقول في قوله: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا حسب ما تقدم في أذلك خير أم جنة الخلد .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قدر على غير باب ((أفعل ))]; [كان انتصاب قوله: {مستقرا} على الظرف; والمعنى: لهم خير في مستقر، وإذا كان من باب (أفعل] [منك) ; فانتصابه على البيان].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 14 ] قال قتادة: معنى وأحسن مقيلا : منزلا ومأوى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو ما تعرفه العرب من مقيل نصف النهار، ومنه الحديث المرفوع: [إن الله تعالى يفرغ من حساب الخلق في مقدار نصف يوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويوم تشقق السماء بالغمام : روي: أن السماء تتشقق عن سحاب أبيض، وتنزل الملائكة من السماوات، ويأتي الرب عز وجل في الثمانية الذين يحملون العرش; لفصل القضاء، على ما يجوز أن يحمل عليه إتيانه، لا على ما تحمل عليه صفات المخلوق من الحركة والانتقال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويوم يعض الظالم على يديه يعني: عقبة بن أبي معيط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليتني لم أتخذ فلانا خليلا يعني: أبي بن خلف، [قاله ابن عباس، وقتادة، وغيرهما، وكان عقبة قد هم بالإسلام، فمنعه منه أبي بن خلف] وكانا خدنين.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وأبو رجاء: {الظالم} : عام في كل ظالم، و[فلان]: الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا أي: قالوا فيه غير الحق، عن مجاهد، والنخعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى قوله: {مهجورا} : متروكا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 15 ] وقوله: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين : قال ابن عباس: عدو النبي صلى الله عليه وسلم أبو جهل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كذلك لنثبت به فؤادك : يجوز أن يكون الموقف عند قوله: جملة واحدة ، ثم قال: كذلك لنثبت به فؤادك ; [أي: أنزلناه كذلك; لنثبت به فؤادك]، ويجوز أن يكون الوقف على {كذلك} ، ويكون المعنى: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة; كالتوراة، والإنجيل.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى لنثبت به فؤادك : لتعيه، وتعلمه عن ظهر قلب، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      ورتلناه ترتيلا أي: بيناه تبيينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا : قال الضحاك: أي: أحسن تفصيلا; والمعنى: أحسن من مثلهم تفصيلا، فحذف; لعلم السامع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأصحاب الرس : قال ابن عباس: {الرس} : بئر كانت لهم، فنسبوا إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: {الرس} : قرية باليمامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي حديث يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام: [أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية، فلم يؤمن به إلا عبد أسود، وأخذ أهل القرية نبيهم،

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 16 ] وجعلوه في بئر، وأطبقوا عليه بحجر ضخم، فكان الأسود يحتطب، ويبيع حطبه، وينفق على ذلك النبي، فألقى الله تعالى على الأسود نوما، فنام أربع عشرة سنة، ثم انتبه وقد آمن أهل القرية بذلك النبي، ومات النبي قبل أن ينتبه الأسود].


                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل إليهما شعيب عليه السلام، فكذبوه، فعذبتا بعذابين.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الرس} في اللغة: البئر تكون غير مطوية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكلا تبرنا تتبيرا أي: أهلكنا ودمرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء يعني: قوم لوط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بل كانوا لا يرجون نشورا أي: بعثا، ويجوز أن يكون معنى {يرجون} : يخافون، ويجوز أن يكون على بابه، ويكون معناه: بل كانوا لا يرجون ثواب الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية