الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 246 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة الم السجدة

                                                                                                                                                                                                                                      القول في جميعها:

                                                                                                                                                                                                                                      الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون .تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ ص: 247 ] أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون

                                                                                                                                                                                                                                      [الأحكام والنسخ]:

                                                                                                                                                                                                                                      [ليس فيها أحكام، ولا نسخ سوى] [قوله: فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون : نسخها الأمر بالجهاد].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 248 ] {الم تنزيل الكتاب} : {تنزيل}: مبتدأ، و لا ريب فيه : الخبر، أو على تقدير: هذا تنزيل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أم يقولون افتراه : {أم}: للخروج من حديث إلى حديث، وقد تقدم القول في مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك : يجوز أن تكون اللام متعلقة بما قبلها؛ فلا يوقف على {ربك}، و[يجوز أن تتعلق بمحذوف؛ التقدير: أنزله؛ لتنذر قوما، فيجوز الوقف على من ربك ].

                                                                                                                                                                                                                                      و {ما} في قوله: ما أتاهم نفي، والمراد بـ (القوم): أهل الفترة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون : قال ابن عباس: المعنى: كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة؛ لأن النزول خمس مئة، والصعود خمس مئة، وروي ذلك عن جماعة من المفسرين، وهو اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: أن (اليوم) من الأيام الستة التي خلق الله فيها [ ص: 249 ] السماوات والأرض، مقداره ألف سنة من سني الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      [مجاهد: الهاء في {مقداره} للتدبير، والمعنى: كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا]، وقيل: إن الهاء للعروج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر، فيحكم به في يوم كان مقداره ألف سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها، ورجوعها إلى موضعها من الطلوع، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      والهاء في {إليه} لله عز وجل، وقيل: لـ {السماء} ؛ لأنها تذكر وتؤنث، وقيل: لمكان الملك الذي يرجع إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قوله: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [المعارج: 4]؛ فهو يوم القيامة؛ والمعنى: أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن يوم القيامة فيه أيام، فمنه ما مقداره ألف سنة، ومنه ما مقداره خمسون ألف [سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 250 ] النحاس: (اليوم) في اللغة بمعنى: الوقت، فالمعنى: تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد قال: الدنيا كلها خمسون ألف سنة]، ولا يدري أحدكم ما مضى منها، ولا كم بقي؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية