الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      تقدم القول في {يزفون والله خلقكم وما تعملون

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {فانظر ماذا تري} من (أريت) فهو منقول من (رأيت) الذي هو من رؤية البصر، ومعناه: الرأي والاعتقاد، وهو يتعدى إلى مفعولين، والاقتصار على أحدهما جائز، فيجوز أن يكون قد اقتصر على أحدهما; وهو المفعول الأول وحذفه، وحذف الثاني; على أن تكون {ما}: استفهاما مبتدأة، و {ذا} بمعنى: (الذي) والعائد محذوف من الصلة، وهو المفعول الأول، ولم [ ص: 464 ] يأت بالمفعول الثاني; والتقدير: فانظر ماذا ترينيه؟ ويجوز أن تكون {ماذا} اسما واحدا في موضع المفعول [التقدير: فانظر ماذا ترينا؟] كأنه قال: أجلدا ترينا على ما تحمل عليه أم خورا؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ولا يصح كونه من رؤية البصر، ولو كان كذلك لوجب أن يتعدى إلى مفعولين لا يقتصر على أحدهما، كـ (ظننت) وليس في التلاوة غير واحد، وإضمار الثاني غير جائز كما يجوز في الذي بمعنى الرأي; لأن الذي بمعنى الرأي ليس مما يدخل على الابتداء والخبر، كـ (رأيت) من رؤية البصر إذا نقلته إلى الرباعي، وليس الرأي أيضا مما تدركه حاسة البصر] ولا يجوز أن يكون من (رأيت) بمعنى: (علمت) ولو كان كذلك لوجب أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ترى} فهو من [(رأيت) الذي بمعنى الاعتقاد; كقولك: [ ص: 465 ] (فلان يرى رأي الخوارج) ] فهو من الرأي أيضا، والمفعول أيضا يجوز أن يكون {ماذا} ويجوز أن تكون {ما}: استفهاما، و {ذا} بمعنى: (الذي) حسب ما تقدم وهو الخبر، والمفعول محذوف من الصلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ترى} فمعناه: فانظر ماذا يلقى إليك؟ وهذه القراءة محمولة على تقدير حذف المفعولين جميعا، كما قال تعالى: شركائي الذين زعمتم [الكهف: 52] والمعنى: زعمتموهم شركائي، فحذف المفعولين، ولا يجوز أن تحمل هذه القراءة على أن {ماذا} أحد المفعولين، اقتصر عليه; لأن الاقتصار على أحد المفعولين ههنا لا يجوز.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {فلما سلما} فمعناه: سلما أنفسهما لله عز وجل; من التسليم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {أسلما} فمعناه: استسلما لأمر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في وإن إلياس و سلام على إل ياسين

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب الله ربكم ورب آبائكم الأولين حمله على وتذرون أحسن الخالقين [ ص: 466 ] ومن رفع استأنف; لأن الكلام الذي قبله تام; كأنه قال: الله ربكم ورب آبائكم الأولين خالقكم، فهو الذي تجب له العبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون : من قرأ {ويزيدون} فموضع {يزيدون} رفع; بأنه خبر مبتدأ محذوف; أي: وهم يزيدون على مئة ألف، فالواو عاطفة جملة على جملة، ولا يعطف على {مائة} لأن {إلى} لا تعمل فيه; فلا يعطف على ما تعمل فيه {إلى} على أن يكون المعنى: مئة ألف وزائد، كما لا يجوز أن تقول: (مررت بقائم ويقعد) وأنت تريد: (وقاعد) ولا يصح حمله على تقدير حذف موصوف، كأنه قال: وأرسلناه إلى مئة ألف وجمع يزيدون، لأنه لو قدر هذا التقدير لصار المعنى: وأرسلناه إلى جمعين; أحدهما مئة ألف، والآخر زائد على مئة ألف; والمعنى ليس على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ أو يزيدون فقد قيل: إن {أو} للتخيير، وقيل: للشك، وهو مردود إلى العباد، وقيل: بمعنى: (بل) وقيل: بمعنى الواو، واستشهد قائل هذا القول بقول الشاعر: [من الطويل]

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 467 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث



                                                                                                                                                                                                                                      وهو يريد: ونصف ثالث، وقد قال قوم: إن معنى البيت: ألا فالبثا شهرين، أو شهرين ونصف ثالث، فحذف المعطوف عليه مع حرف العطف، كما روي عن أحمد بن يحيى: (راكب الناقة طليحان) أي: راكب الناقة والناقة طليحان، وقدر أبو الفتح البيت على أن المعنى: ألا فالبثا شهرين، أو شهري نصف ثالث; أي: أو الشهرين اللذين يتبعهما نصف ثالثهما; لأنه قد يؤمر بلبث شهرين لا يتبعهما نصف ثالث، وكذلك قدر: (راكب الناقة طليحان): راكب الناقة أحد طليحين، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لكاذبون أصطفى البنات على البنين : وجه قراءة الجماعة بالاستفهام: التقرير والتوبيخ، ومن قرأ على الخبر جاز أن يكون المعنى: اصطفى البنات على البنين فيما تقولون، وجاز أن يكون على إضمار القول; المعنى: تقولون: [ ص: 468 ] اصطفى البنات، أو يكون بدلا من قوله: ولد الله لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاء لهن، فأبدل مثال الماضي من مثال الماضي، أو يكون أصطفى البنات تفسيرا للكذب الذي نسبه إليهم، أو يكون معطوفا على ولد الله وحذف حرف العطف؛ لأن في الجملة الثانية ذكرا من الأولى، فـ{أصطفى} على هذا متعلق بـ(يقولون).

                                                                                                                                                                                                                                      وقراءة الجماعة في قوله: إلا من هو صال الجحيم : ظاهرة، والأصل (صالي) بالياء، فحذفها الكاتب من الخط؛ لسقوطها في اللفظ، على ما بسطناه في خط المصحف في "الجامع".

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {صال الجحيم} جاز أن يكون الأصل: (صالون) فحذفت النون للإضافة، ثم حذفت واو (صالو) لالتقاء الساكنين، هذا على الحمل على معنى {من} كما قال: ومنهم من يستمعون إليك [يونس: 42].

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون على معنى (صال) كـ (فاعل) حذفت منه الياء، كما [ ص: 469 ] حذفت من: (باليت به بالة) والأصل: (بالية) على قول الخليل، وكذلك (الحانة) بدلالة قولهم: (حانوي) فلما حذفت الياء حركت اللام بحركتها.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون (فاعلا) إلا أنه قلب من (صال) إلى (صايل) فحذفت الياء وبقيت اللام مضمومة، فهو مثل: شفا جرف هار [التوبة: 109].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما منا إلا له مقام معلوم : تقديره عند الكوفيين: وما منا إلا من له مقام معلوم، فحذف الموصول، وتقديره عند البصريين: وما منا ملك إلا له مقام معلوم.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      هذه السورة مكية، وعددها في المدنيين، والكوفي، والشامي: مئة آية، واثنتان وثمانون آية، إلا في عدد أبي جعفر القارئ، وفي المكي، والبصري، وعدد أبي جعفر: إحدى وثمانون آية.

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف منها في آيتين:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 470 ] وما كانوا يعبدون [161]: الجماعة سوى البصري والمكي.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كانوا ليقولون الثاني [167]: لم يعدها أبو جعفر، وعدها شيبة وسائر العادين.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية