الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      روي : أن عتبة بن ربيعة قال لقريش : أنا أستخبر لكم محمدا ، وكان قد قرأ الكتب ، وتعلم الكتابة والكهانة ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمه بكلام كثير -وقد ذكرت بعضه في «الكبير » - فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، إلى أن بلغ : فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، فوثب عتبة ، ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وناشده الله إلا سكت ، فسكت ، وانصرف عتبة ، فأخبرهم أنه سمع ما لا يشبه كهانة ، ولا شعرا ، ولا سحرا ، وأنه خاف أن تنزل به الصاعقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه : [(الأكنة ) جمع (كنان ) ؛ والمعنى : أنها مستورة عن فهمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن بيننا وبينك حجاب : قيل : أرادوا أنهم يعبدون الأصنام ، [ ص: 8 ] وهو يعبد الله عز وجل ، وقيل : المعنى : ومن بيننا وبينك حجاب ، فنحن لا نسمع ما تدعونا إليه ] ، ولا نرى ما تريناه من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فاعمل إننا عاملون أي : اعمل في هلاكنا ، فإنا عاملون في مثل ذلك ، وقيل : المعنى : فاعمل بدينك ، إنا عاملون بديننا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة أي : لا يزكون أموالهم ، عن الربيع بن أنس .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عمر : المعنى : لا يعطون التوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : لا يقرون بفرض الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لهم أجر غير ممنون أي : غير مقطوع ، وعن ابن عباس : غير منقوص ، وعن مجاهد : غير محسوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين : قد تقدم القول في خلق السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام : قال ابن زيد والحسن : أرزاق أهلها ، ومعايشهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : خلق جبالها ، وأنهارها ، وبحارها ، وأشجارها ، وسكانها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : سواء للسائلين : [قال ابن عباس : من سأل : في كم خلق الله السماوات والأرض ؟ فقل له : في هذا ؛ فالمعنى : جوابا للسائلين ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 9 ] الحسن : المعنى : في أربعة أيام مستوية تامة .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ؛ والمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين ، واختاره الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين أي : جئنا بما أحدثت فينا من خلقك طائعين ، روي معناه عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : جعل الله فيهما ما تميزان به ، فقالتا ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد : هو إخبار عن الهيئة ؛ أي : صارتا على هيئة من قال ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو دلالة من الله عز وجل على سرعة الإجابة ، كما يقول القائل : افعل كذا ، فيقال له : قد فعلت ، وجاء الخبر عن السماء والأرض كالخبر عمن يعقل ؛ لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                      فقضاهن سبع سماوات في يومين أي : أكملهن ، وفرغ منهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأوحى في كل سماء أمرها أي : أوحى فيها ما أراده ، وما أمر به فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : خلق شمسها ، وقمرها ، ونجومها ، وأفلاكها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أي : أنذرتكم أن يصيبكم مثل ما أصابهم .

                                                                                                                                                                                                                                      إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم يعني : من أرسل إليهم ، وإلى من قبلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا أي : شديدة السموم ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : شديدة البرد ، وهو المعروف ؛ لأنه مأخوذ من (الصر ) ، وفي الخبر : «أنها كانت ريحا باردة ، تحرق كما تحرق النار » .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة : معنى (صرصر ) : شديدة عاصفة ، و {نحسات} : مشائيم .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : متتابعات ، الضحاك : شداد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأما ثمود فهديناهم أي : بينا لهم الهدى والضلال ، عن ابن عباس وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون : (الجلود ) يعني بها : الجلود بأعيانها في قول أكثر المفسرين ، وقال بعضهم : المراد بها ههنا : الفروج ، وهو قول الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم أي : من أن يشهد عليكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود : نزل هذا في ثلاثة نفر تساروا ، وقالوا : أترى أن الله يسمع إسرارنا ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإن يصبروا فالنار مثوى لهم أي : فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار ؛ فالنار مثوى لهم ، وإن يستعتبوا في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم ؛ [ ص: 11 ] فما هم من المعتبين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : فإن يصبروا في النار ، أو يجزعوا ؛ فالنار مثوى لهم ، ودل وإن يستعتبوا على الجزع ؛ لأن المستعتب جزع ، و (المعتب ) : المقبول عتابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقيضنا لهم قرناء أي : سببنا ، الحسن : خلينا بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      و (القرناء ) : الشياطين ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي : زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا ، فحسنوه لهم ، حتى آثروه على الآخرة ، وما خلفهم : حسنوا لهم ما بعد مماتهم ، ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : قيضنا لهم قرناء في النار ، فزينوا لهم أعمالهم في الدنيا ؛ والمعنى : قدرنا عليهم أن ذلك سيكون ، وحكمنا به عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : أحوجناهم إلى الاقتران ؛ أي : أحوجنا الفقير إلى الغني ؛ لينال منه ، والغني إلى الفقير ؛ ليستعين به ، وقيض لهم ذلك ؛ ليتعاونوا به ، فزين بعضهم لبعض المعاصي .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : ما بين أيديهم : تكذيبهم بأمور الآخرة ، وما وما خلفهم :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 12 ] التسويف ، والترغيب في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ما بين أيديهم : ما عملوه ، و وما خلفهم : ما عزموا على أن يعملوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : زينوا لهم مثل ما تقدم لهم قبل من المعاصي ، و وما خلفهم : ما يعمل بعدهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم أي : وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين [من قبلهم ، الذين ] كفروا ككفرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : {في} بمعنى : (مع ) ؛ فالمعنى : هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه : قال ابن عباس : قال أبو جهل : إذا قرأ محمد ؛ فصيحوا في وجهه ؛ حتى لا يدري ما يقول .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : إنهم فعلوا ذلك لما أعجزهم القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى : والغوا فيه بالمكاء والتصفيق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 13 ] و (اللغو ) في اللغة : ما لا يعرف له حقيقة ، ولا تحصيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ذلك جزاء أعداء الله النار أي : ذلك العذاب الشديد ، ثم بينه بقوله : {النار} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس يعني : إبليس ، وابن آدم الذي قتل أخاه ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو بمعنى الجنس ، وأتى على التثنية ؛ لاختلاف الجنسين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : استقاموا على ألا يشركوا بالله شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد ، وقتادة : استقاموا على طاعة الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا يعني : البشارة التي عند الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية