الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو جنى عليهما قبل الاختيار ، فالجناية لا تخلو إما إن كانت من المولى وإما إن كانت من الأجنبي ، ولا تخلو إما إن كانت على النفس أو على ما دون النفس ، فإن كانت الجناية من المولى فإن كانت على ما دون النفس بأن قطع يد العبدين فلا شيء عليه ، وهذا أيضا يدل على عدم نزول العتق حيث جعلهما في حكم المملوكين قبل الاختيار ، وسواء قطعهما معا أو على التعاقب ; لأن القطع لا يبطل الخيار ولا يكون ثابتا ، بخلاف القتل ; لما نذكر ، وإن كانت جناية على النفس بأن قتلهما فإن قتلهما على التعاقب ، فالأول عبد والثاني حر ; لأنه لما أقدم على قتل الأول فقد تعين الثاني للعتق فإذا قتله فقد قتل حرا ، فعليه الدية وتكون لورثته ; لأن الدية تصير ميراثا للورثة ولا يكون للمولى من ذلك شيء ; لأنه قاتل والقاتل لا يرث ، وإن قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما لورثته ; لأن المضمون على المولى أحدهما وهو الحر منهما ، وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت حرية واحدة فيهما ، وهذا يؤيد القول بنزول العتق في غير العين ، وإن كانت الجناية من الأجنبي فإن كانت فيما دون النفس بأن قطع إنسان يد العبدين فعليه أرش العبيد ، وذلك نصف قيمة كل واحد منهما لكن يكون أرشهما للمولى سواء قطعهما معا أو على التعاقب ; لأن القطع لا يبطل خيار المولى ، وهذا يوجب القول بعدم نزول العتق إذ لو نزل ، لكان الواجب أرش يد عبد وحر وهو نصف قيمة عبد ونصف دية حر ، وإن كانت في النفس فالقاتل لا يخلو إما إن كان واحدا وإما إن كان اثنين ، فإن كان واحدا فإن قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما ، نصف قيمة هذا ونصف قيمة ذاك ويكون للمولى ، وعليه نصف دية كل واحد منهما نصف دية هذا ونصف دية ذاك وتكون لورثتهما ، وهذا دليل على أن العتق نازل في غير العين إذ لو لم يكن ، لكان الواجب في قتلهما معا قيمة عبدين ومع ذلك لم يجب بل وجب دية حر وقيمة عبد ; لأن أحدهما حر وقد قتل حرا وعبدا ، والواجب بقتل الحر الدية وبقتل العبد القيمة ، والدية للورثة والقيمة للمولى وإنما انقسم ; لأن كل واحد منهما تجب ديته في حال وقيمته في حال ; لاحتمال أنه حر وعبد فينقسم ذلك على اعتبار الأحوال كما هو أصل أصحابنا ، وإن قتلهما على التعاقب يجب على [ ص: 101 ] القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة ; لأن قتل الأول يوجب تعين الثاني للعتق ; فيتعين الأول للمولى وقد قتل حرا وعبدا خطأ ، وإن كان القاتل اثنين فقتل كل واحد منهما رجلا فإن وقع قتل كل واحد منهما معا فعلى كل واحد من القاتلين القيمة نصفها للورثة ونصفها للمولى ، وإيجاب القيمتين يوجب قيمة ودية على قول من يقول : إن العتق غير نازل ظاهرا ; لأن كل واحد منهما قتل عبدا خطأ وأنه يوجب القيمة .

                                                                                                                                وأما على قول من يقول بنزول العتق فإنما لم تجب الدية ; لأن من تجب الدية عليه منهما مجهول إذ لا يعلم من الذي تجب عليه منهما فلا يمكن إيجاب الدية مع الشك ، والقيمة متيقنة فتجب ، بخلاف ما إذا كان القاتل واحدا ; لأن هناك من عليه معلوم لا جهالة فيه ، وإنما الجهالة فيمن له .

                                                                                                                                وأما انقسام القيمتين ; فلأن المستحق لأحد البدلين هو المولى والمستحق للبدل الآخر هو الوارث ، وكل واحد منهما يستحق في حال ولا يستحق في حال فوجوب القيمتين حجة أحد القولين وانقسامهما حجة القول الآخر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية