الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4623 ) فصل : فيما يختلف من الفروع باختلاف المذهبين ، من ذلك أنه إذا حدث للموصى به نماء منفصل بعد موت الموصي ، وقبل القبول ، كالثمرة والنتاج والكسب ، فهو للورثة . وعلى الوجه الآخر ، يكون للموصى له . ولو أوصى بأمة لزوجها ، فأولدها بعد موت الموصي ، وقبل القبول ، فولده رقيق للوارث . وعلى الوجه الآخر ، يكون حر الأصل ، ولا ولاء عليه ، وأمه أم ولد ; لأنها علقت منه بحر في ملكه . وإن مات الموصى له قبل القبول والرد ، فلوارثه قبولها ، فإن قبلها ، ملك الجارية وولدها ، وإن كان ممن يعتق الولد عليه عتق ، ولم يرث من ابنه شيئا . وعلى الوجه الآخر ، تكون الجارية أم ولد ، ويرث الولد أباه ، فإن كان يحجب الوارث القابل حجبه . وقال أكثر أصحاب الشافعي : لا يرث الولد ها هنا شيئا ; لأن توريثه يمنع قول القابل وارثا ، فيبطل قبوله ، فيفضي إلى الدور ، وإلى إبطال ميراثه ، فأشبه ما لو أقر الوارث بمن يحجبه عن الميراث . وقد ذكرنا في الإقرار ما يدفع هذا ، وأن المقر به يرث ، فكذا ها هنا . ويعتبر قبول من هو وارث في حال اعتبار القبول ، كما يعتبر في الإقرار إقرار من هو وارث حال الإقرار . والله أعلم . ومن ذلك ، لو أوصى لرجل بأبيه ، فمات الموصى له قبل القبول ، فقبل ابنه ، صح ، وعتق عليه الجد ، ولم [ ص: 72 ] يرث من ابنه شيئا ; لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره . وعلى الوجه الآخر ، تثبت حريته من حين موت الموصي ، فيرث من ابنه السدس . وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يرث أيضا ; لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ، ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته ، وإذا لم يجز اعتباره ، لم يعتق ، فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه . وهذا فاسد ; فإنه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ، ثبت نسبه وورث ، مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة . ومن ذلك ، أنه لو مات الموصى له ، فقبل وارثه ، لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصية ، لا من جهة موروثه ، ولم يثبت للموصى له شيء ، فحينئذ لا تقضى ديونه ، ولا تنفذ وصاياه ، ولا يعتق من يعتق عليه ، وإن كان فيهم من يعتق على الوارث ، عتق عليه ، وكان ولاؤه له دون الموصى له . وعلى ، الوجه الآخر ، يتبين أن الملك كان ثابتا للموصى له ، وأنه انتقل منه إلى وارثه ، فتنعكس هذه الأحكام ، فتقضى ديونه ، وتنفذ وصاياه ، ويعتق من يعتق عليه ، وله ولاؤه ، يختص به الذكور من ورثته . ومن ذلك ، أن الموصى به لو كان أمة ، فوطئها الوارث ، فأولدها ، صارت أم ولد له ، وولدها حر ; لأنه وطئها في ملكه ، وعليه قيمتها للموصى له إذا قبلها . فإن قيل : فكيف قضيتم بعتقها ها هنا ، وهي لا تعتق بإعتاقها ؟ قلنا : الاستيلاد أقوى ، ولذلك يصح من المجنون ، والراهن ، والأب ، والشريك المعسر ، وإن لم ينفذ إعتاقهم . وعلى الوجه الآخر ، يكون ولده رقيقا ، والأمة باقية على الرق . وإن وطئها الموصى له قبل قبولها ، كان ذلك قبولا لها ، وثبت الملك له به ; لأنه لا يجوز إلا في الملك ، فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك ، فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة الرجعية ، أو وطئ من له الخيار في البيع الأمة المبيعة ، أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية