الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4926 ) فصل : فأما المكاتب ، فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد ، لا يرث ، ولا يورث ، وإن ملك قدر ما يؤدي ، ففيه روايتان ; إحداهما ، أنه عبد ما بقي عليه درهم ، لا يرث ، ولا يورث . يروى ذلك عن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة ، وأم سلمة ، وعمر بن عبد العزيز ، والشافعي رضي الله عنه وأبي ثور . وعن ابن المسيب ، وشريح ، والزهري ، نحوه ; لما روى أبو داود بإسناده ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } . وفي لفظ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما عبد كاتب على مائة أوقية ، فأداها إلا عشر أواق ، فهو عبد ، وأيما عبد كاتب على مائة دينار ، فأداها إلا عشرة دنانير ، فهو عبد } . وعن محمد بن المنكدر ، وعمر بن عبد الله مولى غفرة ، وعبد الله بن عبدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد : { من كاتب مكاتبا فهو أحق به حتى يقضي كتابته } .

                                                                                                                                            وقال القاضي ، وأبو الخطاب : إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته ، وعجز عن الربع ، عتق ; لأن ذلك يجب إيفاؤه للمكاتب ، فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب رده إليه

                                                                                                                                            والرواية الثانية ، أنه إذا ملك ما يؤدي ، فقد صار حرا ، يرث ، ويورث ، فإذا مات له من يرثه ورث ، وإن مات فلسيده بقية كتابته ، والباقي لورثته ; لما روى أبو داود ، [ ص: 230 ] بإسناده عن أم سلمة ، قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إذا كان لإحداكن مكاتب ، وكان عنده ما يؤدي ، فلتحتجب منه } . وروى الحكم ، عن علي وابن مسعود ، وشريح : يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته ، فإن فضل شيء ، كان لورثة المكاتب .

                                                                                                                                            وروي نحوه عن الزهري . وبه قال ابن المسيب . وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، والنخعي ، والشعبي ، والحسن ، ومنصور ، ومالك ، وأبو حنيفة ، غير أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه . قال في مكاتب هلك ، وله أخ معه في الكتابة ، وله ابن ، قال : ما فضل من كتابته لأخيه دون ابنه . وجعله أبو حنيفة عبدا ما دام حيا ، فإذا مات أدى من تركته باقي كتابته ، والباقي لورثته

                                                                                                                                            وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر : إنكم مكاتبون مكاتبين ، فأيهم أدى النصف فلا رق عليه . وعن علي عليه السلام إذا أدى النصف فهو حر . وعن عروة نحوه . وعن الحسن ، إذا أدى الشطر فهو غريم . وعن ابن مسعود ، وشريح نحوه . وعن ابن مسعود ، إذا أدى ثلثا أو ربعا فهو غريم .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس ، إذا كتب الصحيفة فهو غريم . وعن علي رضي الله عنه قال : تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم . يعني يعتق منه بقدر ما أدى . وعنه أنه قال : يرث ، ويحجب ، ويعتق منه ، بقدر ما أدى . وقد روى حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ، ورث بحساب ما عتق منه ، وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه . }

                                                                                                                                            وفي رواية { يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر ، وقدر ما رق منه دية العبد . } قال يحيى بن أبي كثير : وكان علي ومروان بن الحكم يقولان ذلك . وقد روي حديث ابن عباس ، عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، والحديث الذي رويناه لقولنا أصح منه ، ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا ، وما ذكرناه أولا أولى ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية