الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، وإن اختلف الصباغ ورب الثوب فيما أمره أن يصبغه به بأن صبغه بعصفر فقال : رب الثوب أمرتك بالزعفران فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله : القول قول الصباغ ; لأنهما اتفقا على الإذن في الصبغ ، ثم رب الثوب يدعي عليه خلافا ليضمنه ، أو ليثبت الخيار لنفسه وهو منكر لذلك ، فالقول قول المنكر ولكنا نقول : الإذن يستفاد من جهة رب الثوب ولو أنكر الإذن له في الصبغ أصلا كان القول قوله ، فكذا إذا أنكر الإذن فيما صبغه به ، وإذا استصنع الرجل عند الرجل خفين فلما فرغ منه قال المستصنع ليس هكذا أمرتك وقال الإسكاف بهذا أمرتني فالقول قول المستصنع ; لما بينا أن الإذن يستفاد من جهته ولا يمين عليه ; لأن توجه اليمين ينبني على دعوى تلزمه الجواب ، وذلك لا يوجد هنا فإن للمستصنع أن يأبى ، وإن لم يكن الصانع مخالفا فلا فائدة في استحلافه ، وكذلك لو أقام العامل البينة لم يلزم الأمر ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم

ولو قال المستصنع : بهذا أمرتك ولكن لا أريده كان له ذلك ; لما بينا أن الخيار ثابت للمستصنع بسبب عدم الرؤية ولو أسلم إليه خفه بنعله بأجر مسمى فهو جائز للعرف الظاهر فإذا نعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف فصاحب الخف بالخيار إن شاء ضمنه قيمة الخف بغير نعل ، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله وقيمة النعل لا يجاوز به ما سمى لما بينا أنه في أصل العمل موافق وفي الصفة مخالف ، وإن كان ينعل بمثله الخفاف فهو لازم عليه ، وإن لم يكن جيدا ; لأن المستحق بمطلق العقد صفة السلامة ، فأما صفة الجودة لا تستحق إلا بالشرط كما في بيع العين ولو شرط عليه جيدا فنعله بنعل غير جيد فلصاحب الخف الخيار ; لأن فوات الوصف المشروط بمنزلة العيب في إثبات الخيار ، كما إذا اشترى عبدا بشرط أنه كاتب فوجده لا يحسن الكتابة يثبت له الخيار بمنزلة ما لو وجد العيب في المعقود عليه فهذا مثله ولو اختلفا في الأجر وقد عمله عملا على ما وصفه له فإن أقاما البينة فالبينة بينة العامل ; لأنه يثبت الزيادة في حقه وهو الأجر فتترجح بينته بذلك

وإن قال رب الخف عملته لي بغير أجر وقال العامل عملته بدرهم ولا بينة بينهما فعلى رب الخف اليمين لله ما شارطه على درهم ; لأن العامل يدعي عليه الدرهم دينا في الذمة وهو منكر فالقول قول المنكر مع اليمين فإذا حلف غرم له ما زاد النعل [ ص: 94 ] في خفه بعد أن يحلف العامل على دعواه أنه عمل له بغير - أجر ; لأن رب الخف يدعي عليه هبة النعل وهو لو أقر به لزمه فإذا أنكر يحلف عليه وإذا حلف انتفى ما ادعى كل واحد منهما من العقد يبقى نعله متصلا بخف الغير بإذن صاحب الخف فتجب قيمته لاحتباس ملك الغير عنده ولا يجب أجر المثل ; لأن المنفعة لا تتقوم إلا بالعقد والتسمية وقد انتفى ذلك ، فأما العين متقوم بنفسه ولو أقاما البينة أخذت بينة العامل لإثباته الزيادة ولو عمل الخف كله من عنده ، ثم اختلفا في الأجر فالقول قول الإسكاف ولا يمين على المستصنع ولكنه بالخيار إن شاء أخذه بما قال الإسكاف ، وإن شاء تركه لما بينا أن العقد غير لازم في حق كل واحد منهما والذي جاء به عين ملك الإسكاف فلا يستحق عليه إلا بما رضي به من الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية