الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أعطى صباغا ثوبا ليصبغه بعصفر بربع الهاشمي بدرهم فصبغه بقفيز عصفر وأقر رب الثوب بذلك فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة الثوب ، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد العصفر في قيمة الثوب مع الأجر ومعنى هذه المسألة أن الربع الهاشمي هو الصاع وهو ربع قفيز فكأنه أمره بأن يصبغه صبغا غير مشبع وقد صبغ صبغا مشبعا فكان في أصل العمل موافقا ، وفي الصفة مخالفا فيجبر صاحب الثوب لذلك ، ثم أطلق الجواب في الكتاب

ومشايخنا رحمهم الله قالوا يقسم الجواب فيه فإما أن يصبغه بربع الهاشمي ، أو لا ثم بالزيادة إلى تمام القفيز ، أو يصبغه بالقفيز دفعة واحدة فإن كان صبغه بربع الهاشمي أولا فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض ، وإن شاء ضمنه قيمة ثوبه مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الأجر ; لأنه أقام العمل المشروط وصار ذلك من وجه كالمسلم إلى صاحب الثوب لاتصاله بالثوب ، ثم غيره قبل تمام التسليم فإن شاء لم يرض به متغيرا وضمنه قيمة ثوبه أبيض ، وإن شاء رضي به متغيرا وضمنه قيمته مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الأجر ، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه الأجر مع قيمة ما زاد من العصفر فيه وهو ثلاثة أرباع قفيز ; لأنه بمنزلة من غصب ثوبا [ ص: 98 ] مصبوغا بربع قفيز فصبغه بثلاثة أرباع قفيز .

أما إذا صبغه بقفيز دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض ، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ ولا أجر له ; لأنه ما أقام العمل المشروط ولكنه خالف في هيئة العمل في الابتداء ولأنه لا بد من اعتبار قيمة الصبغ فلا يعتبر الأجر ; لأن أحدهما تبع للآخر فلا يجمع بينهما .

( ألا ترى ) أن في الموضع الذي يجب الأجر لا ينظر إلى قيمة الصبغ فهنا لما وجب قيمة الصبغ بسبب ما زاد من الصبغ فيه سقط اعتبار الأجر والحاكم رحمه الله في المنتقى ذكر هذا التقسيم عن أبي يوسف رحمه الله وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه إذا دفع ثوبا ليصبغه بمن عصفر بدرهم فصبغه بمنوين دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض ، وإن شاء أعطاه الأجر درهما مع قيمة من الصبغ قال : ( قلت ) لمحمد رحمه الله لم لا يضمن له قيمة منوين من الصبغ قال : لأن صاحب الثوب يقول : أنا خادعته حتى رضي بدرهم من قيمة من الصبغ وربما تكون قيمته خمسة فبعد وجود الرضى منه بهذا المقدار ليس له أن يضمن زيادة عليه ; فلهذا أعطاه الأجر مع قيمة من الصبغ ، وإن كان ما روي عن محمد رحمه الله هو الأصح ولأنه ، وإن صبغه جملة فإنما يتشرب فيه الصبغ شيئا فشيئا فإذا تشرب فيه المقدار المشروط وجب الأجر فكان هذا وما لو صبغه بدفعتين سواء ولو قال رب الثوب لم تصبغه إلا بربع عصفر فإن كان مثل ذلك الصبغ يكون بربع الهاشمي فالقول قوله مع يمينه على علمه ; لأن الظاهر شاهد له وهو ينكر وجوب قيمة الصبغ عليه والاستحلاف على العلم ; لأنه على فعل الغير إلا أن يقيم الصباغ بينة ، وإن كان مثل ذلك لا يكون بربع عصفر وكان ذلك يعرف فالقول قول الصباغ ; لأن الظاهر شاهد له والجواب فيه كالجواب في المسألة الأولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية