الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) تجب ( على موسر ) ولو صغيرا ( يسار الفطرة ) على الأرجح ورجح الزيلعي والكمال إنفاق فاضل كسبه . [ ص: 622 ] وفي الخلاصة : المختار أن الكسوب يدخل أبويه في نفقته . وفي المبتغى : للفقير أن يسرق من ابنه الموسر ما يكفيه إن أبى ولا قاضي ثمة وإلا أثم ( النفقة لأصوله ) [ ص: 623 ] ولو أب أمه ذخيرة ( الفقراء ) ولو قادرين على الكسب والقول لمنكر اليسار والبينة لمدعيه ( بالسوية ) بين الابن والبنت ، وقيل كالإرث ، وبه قال الشافعي . ( والمعتبر فيه القرب والجزئية ) فلو له بنت وابن ابن أو بنت بنت وأخ [ ص: 624 - 625 ] النفقة على البنت أو بنتها ; لأنه ( لا ) يعتبر ( الإرث ) إلا إذا استويا كجد وابن ابن فكإرثهما إلا لمرجح - [ ص: 626 ] كوالد وولد ( فعلى ولده لترجحه ، ب { أنت ومالك لأبيك } ) وفي الخانية : له أم وأبو أب فكإرثهما . وفي القنية : له أم وأبو أم فعلى الأم ، ولو له عم وأبو أم فعلى أبي الأم . واستشكله في البحر بقولهم : له أم وعم فكإرثهما . قال : ولو له أم وعم وأبو أم هل تلزم الأم فقط أم كالإرث ؟ احتماله .

[ ص: 621 ]

التالي السابق


[ ص: 621 ] مطلب في نفقة الأصول ( قوله وتجب إلخ ) شروع في نفقة الأصول بعد الفراغ من نفقة الفروع ( قوله ولو صغيرا ) ; لأنه كالكبير فيما يجب في ماله من حق عبد ، فيطالب به وليه كما يطالب بنفقة زوجته ( قوله يسار الفطرة على الأرجح ) أي بأن يملك ما يحرم به أخذ الزكاة وهو نصاب ولو غير تام فاضل عن حوائجه الأصلية ، وهذا قول أبي يوسف . وفي الهداية : وعليه الفتوى ، وصححه في الذخيرة ، ومشى عليه في متن الملتقى ، وفي البحر أنه الأرجح ، وفي الخلاصة أنه نصاب الزكاة وبه يفتى واختاره الولوالجي ( قوله ورجح الزيلعي ) عبارته ، وعن محمد أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا إن كان من أهل الغلة ، وإن كان من أهل الحرف فهو مقدر بما يفضل عن نفقته ونفقة عياله كل يوم ; لأن المعتبر في حقوق العباد القدرة دون النصاب ، وهو مستغن عما زاد على ذلك فيصرفها إلى أقاربه ، وهذا أوجه . وقالوا : الفتوى على الأول . ا هـ والذي في الفتح أن هذا توفيق بين روايتين عن محمد : الأولى - اعتبار فاضل نفقة شهر . والثانية - فاضل كسبه كل يوم ، حتى لو كان كسبه درهما ويكفيه أربعة دوانق وجب عليه دانقان للقريب . قال : ومال السرخسي إلى قول محمد في الكسب . وقال صاحب التحفة : قول محمد أرفق . ثم قال في الفتح بعد كلام : وإن كان كسوبا يعتبر قول محمد ، وهذا يجب أن يعول عليه في الفتوى . ا هـ وبه علم أن الزيلعي وصاحب التحفة رجحا قول محمد مطلقا والسرخسي والكمال رجحا قوله لو كسوبا ، وهي الرواية الثانية عنه . وفي البدائع أيضا أنه الأرفق . قلت : والحاصل أن في حد اليسار أربعة أقوال مروية كما قاله في البحر ، وأن الثالث تحته قولان ، وعلى توفيق الفتح هي ثلاثة فقط . وبه علم أن الثالث ليس تقييدا لما ذكره المصنف ، بل هو قول آخر فافهم .

وقال في البحر ولم أر من أفتى به أي بالثالث المذكور ، فالاعتماد على الأولين والأرجح الثاني . ا هـ قلت : مر في رسم المفتي أن الأصح الترجيح بقوة الدليل ، فحيث كان الثالث هو الأوجه أي الأظهر من حيث التوجيه والاستدلال كان هو الأرجح ، وإن صرح بالفتوى على غيره ، ولذا قال الزيلعي : قالوا الفتوى على الأول بصيغة قالوا للتبري ، وكذا قال في الفتح ، وهذا يجب أن يعول عليه في الفتوى أي على الثالث .

مطلب ، صاحب الفتح ابن الهمام من أهل الاجتهاد والكمال صاحب الفتح من أهل الترجيح بل من أهل الاجتهاد كما قدمناه في نكاح الرقيق ، وقد نقل كلامه تلميذه العلامة قاسم ، وكذا صاحب النهر والمقدسي والشرنبلالي وأقروه عليه . ويكفي أيضا ميل الإمام السرخسي إليه ، وقول التحفة والبدائع إنه الأرفق ، فحيث كان هو الأوجه والأرفق ، واعتمده المتأخرون وجب التعويل عليه ، فكان هو المعتمد . ثم اعلم أن ما ذكره المصنف من اشتراط اليسار في نفقة الأصول صرح به في كافي الحاكم والدرر والنقاية والفتح والملتقى والمواهب والبحر والنهر . وفي كافي الحاكم أيضا : ولا يجبر المعسر على نفقة أحد إلا على نفقة الزوجة والولد . ا هـ ومثله في الاختيار ، ونحوه في الهداية .

وفي الخانية : لا يجب على الابن الفقير نفقة والده الفقير حكما إلا إن كان والده زمنا لا يقدر على العمل وللابن عيال فعليه أن يضمه إلى عياله وينفق على الكل . وفي الذخيرة أنه [ ص: 622 ] ظاهر الرواية عن أصحابنا ، ; لأن طعام الأربعة إذا فرق على الخمسة لا يضرهم ضررا فاحشا ، بخلاف إدخال الواحد في طعام الواحد لتفاحش الضرر . وفي البزازية : إن رأى القاضي أنه يفضل من قوته شيء أجبره على النفقة من الفاضل على المختار ، وإن لم يفضل فلا شيء في الحكم ، لكن في ظاهر الرواية يؤمر ديانة بالإنفاق إن كان الابن وحده ; ولو له عيال أجبر على ضم أبيه معهم كي لا يضيع ، ولا يجبر على أن يعطيه شيئا على حدة . ا هـ .

والحاصل أنه يشترط في نفقة الأصول اليسار على الخلاف المار في تفسيره إلا إذا كان الأصل زمنا لا كسب له ، فلا يشترط سوى قدرة الولد على الكسب . فإن كان لكسبه فضل أجبر على إنفاق الفاضل ، وإلا فلو كان الولد وحده أمر ديانة بضم الأصل إليه ، ولو له عيال يجبر في الحكم على ضمه إليهم . ولا يخفى أن الأم بمنزلة الأب الزمن ; لأن الأنوثة بمجردها عجز ، وبه صرح في البدائع ، لكن صرح أيضا بأنه لا يشترط في نفقة الأصول يسار الولد بل قدرته على الكسب ، وعزاه في المجتبى إلى الخصاف : وقد أكثرنا لك من النقل بخلافه لتعلم أنه غير المعتمد في المذهب ( قوله وفي الخلاصة إلخ ) هذا محمول على ما إذا كان الأب زمنا لا قدرة له على الكسب وإلا اشترط يسار الولد على الخلاف المار في تفسيره ، وعلى ما إذا كان للولد عيال ، فلو كان وحده فلا يدخل أباه في نفقته بل يؤمر به ديانة ، والأم كالأب الزمن وذلك كله معلوم مما قررناه آنفا فافهم . وعبارة الخلاصة هكذا : وفي الأقضية الفقر أنواع ثلاثة : فقير لا مال له وهو قادر على الكسب والمختار أنه يدخل الأبوين في نفقته . الثاني - فقير لا مال له وهو عاجز عن الكسب فلا تجب عليه نفقة غيره . الثالث - أن يفضل كسبه عن قوته ، فإنه يجبر على نفقة البنت الكبيرة والأبوين والأجداد ، وفي الرحم المحرم كالعم يشترط النصاب إلخ . قلت : وهذا مبني على رواية الخصاف من عدم اشتراط اليسار في نفقة الأصول ، بل قدرة الكسب كافية والمعتمد خلافه كما علمت ( قوله وفي المبتغى إلخ ) سيأتي قريبا لو أنفق الأبوان ما عندهما للغائب من ماله على أنفسهما وهو من جنس النفقة لا يضمنان لوجوب نفقة الأبوين والزوجة قبل القضاء ، حتى لو ظفر بجنس حقه فله أخذه ولذا فرضت في مال الغائب بخلاف بقية الأقارب ، ونحوه في المنح والزيلعي .

وفي زكاة الجوهرة : الدائن إذا ظفر بجنس حقه له أخذه بلا قضاء ولا رضا . وفي الفتح عند قوله ويحلفها بالله ما أعطاها النفقة وفي كل موضع جاز القضاء بالدفع كان لها أن تأخذ بغير قضاء من ماله شرعا . ا هـ فقول المبتغى ولا قاضي ثمة محمول على ما إذا كان ما يأخذه من خلاف جنس النفقة كالعروض . أما الدراهم والدنانير فهي من جنس النفقة فلا حاجة فيها إلى القاضي ، وتمامه في حاشية الرحمتي . وقد أطال وأطاب .

( قوله النفقة ) أشار إلى أن جميع ما وجب للمرأة وجب للأب والأم على الولد من طعام وشراب وكسوة وسكنى حتى الخادم بحر ، وقدمنا في الفروع الكلام على خادم الأب وزوجته ( قوله لأصوله ) إلا الأم المتزوجة فإن نفقتها على الزوج كالبنت المراهقة إذا زوجها أبوها . وقدمنا أن الزوج لو كان معسرا فإن الابن يؤمر بأن يقرضها ثم يرجع عليه إذا أيسر ; لأن الزوج المعسر كالميت كما صرح به في الذخيرة بحر . والحاصل أن الأم إذا كان لها زوج تجب نفقتها على زوجها لا على ابنها . وهذا لو كان الزوج غير أبيه كما [ ص: 623 ] صرح به في الذخيرة ، ومفهومه أنه لو كان أباه تجب نفقته ونفقتها على الابن ، لكن هذا ظاهر لو كانت الأم معسرة أيضا ; أما لو كانت موسرة لا تجب نفقتها على ابنها بل على زوجها ، وهل يؤمر الابن بالإنفاق عليها ليرجع على أبيه ؟ لم أره ، نعم لو كان الأب محتاجا إليها فقد مر أن نفقة زوجته حينئذ على ابنه وهذا يشمل ما لو كانت موسرة فتأمل ( قوله ولو أب أمه ) شمل التعميم الجدة من قبل الأب أو الأم ، وكذا الجد من قبل الأم كما في البحر . وعبارة الكنز : ولأبويه وأجداده وجداته ( قوله الفقراء ) قيد به ; لأنه لا تجب نفقة الموسر إلا الزوجة ( قوله ولو قادرين على الكسب ) جزم به في الهداية ، فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر ، قيل وهو ظاهر الرواية فتح ، ثم أيده بكلام الحاكم الشهيد ، وقال وهذا جواب الرواية . ا هـ والجد كالأب بدائع ، فلو كان كل من الابن والأب كسوبا يجب أن يكتسب الابن وينفق على الأب بحر عن الفتح : أي ينفق عليه من فاضل كسبه على قول محمد كما مر ( قوله والقول إلخ ) أي لو ادعى الولد غنى الأب وأنكره الأب فالقول له والبينة للابن بحر ( قوله بالسوية بين الابن والبنت ) هو ظاهر الرواية وهو الصحيح هداية ، وبه يفتى خلاصة ، وهو الحق فتح ; وكذا لو كان للفقير ابنان أحدهما فائق في الغنى والآخر يملك نصابا فهي عليهما سوية خانية ، وعزاه في الذخيرة إلى مبسوط محمد ، ثم نقل عن الحلواني قال مشايخنا : هذا لو تفاوتا في اليسار تفاوتا يسيرا ، فلو فاحشا يجب التفاوت فيها بحر .

قلت : بقي لو كان أحدهما كسوبا فقط ، وقلنا بما رجحه الزيلعي والكمال من إعطاء فاضل كسبه فهل يلزمه هنا أيضا أم تلزم الابن الغني فقط تأمل . وفي الذخيرة : قضى بها عليهما فأبى أحدهما أن يعطي للأب ما عليه يؤمر الآخر بالكل ثم يرجع على أخيه بحصته . ا هـ ولا يخفى أن هذا حيث لم يمكن الأخذ منه لغيبته أو عتوه وإلا فكيف يؤمر الآخر بمجرد الإباء كما أفاده المقدسي . ( قوله والمعتبر فيه القرب والجزئية لا الإرث ) أي الأصل في نفقة الوالدين والمولودين القرب بعد الجزئية دون الميراث كذا في الفتح : أي تعتبر أولا الجزئية : أي جهة الولاد أصولا أو فروعا ، وتقدم على غيرها من الرحم ، ثم يقدم فيها الأقرب فالأقرب ، ولا ينظر إلى الإرث ، فلو له أخ شقيق وبنت بنت فالنفقة عليها فقط للجزئية وإن كان الوارث هو الأخ ، ولو له بنت وابن ابن فعلى البنت لقربها في الجزئية وإن اشتركا في الإرث كما في الفتح وغيره . قلت : ويرد عليه قولهم : لو له أم وجد لأب فعليهما أثلاثا اعتبارا للإرث مع أن الأم أقرب في الجزئية ، وكذا قولهم لو له أم وجد لأب وأخ شقيق فعلى الجد عند الإمام مع أن الأم أقرب أيضا وغير ذلك من المسائل .

مطلب ضابط في حصر أحكام نفقة الأصول والفروع واعلم أن مسائل هذا الباب ، مما تحير فيها أولو الألباب ، لما يتوهم فيها من الاضطراب ، وكثيرا ما رأيت من ضل فيها عن الصواب ، حيث لم يذكروا لها ضابطا نافعا ولا أصلا جامعا ، حتى وفقني الله تعالى إلى جمع رسالة فيها سميتها [ تحرير النقول في نفقات الفروع والأصول ] أعانني فيها المولى سبحانه على شيء لم أسبق إليه ، [ ص: 624 ] ولم يحم أحد قبلي عليه ، باختراع ضابط كلي مبني على تقسيم عقلي ، مأخوذ من كلامهم تصريحا أو تلويحا ، جامع لفروعهم جمعا صحيحا ، بحيث لا تخرج عنه شاذة ، ولا يغادر منها فاذة . وبيان ذلك أن نقول : لا يخلو إما أن يكون الموجود من قرابة الولاد شخصا واحدا أو أكثر . والأول ظاهر ; وهو أنه تجب النفقة عليه عند استيفاء شروط الوجوب . والثاني لا يخلو ، إما أن يكونوا فروعا فقط أو فروعا وحواشي ، أو فروعا وأصولا ; أو فروعا وأصولا وحواشي ، أو أصولا فقط أو أصولا وحواشي ، فهذه ستة أقسام .

وبقي قسم سابع تتمة الأقسام العقلية وهو الحواشي فقط نذكره تتميما للأقسام وإن لم يكن من قرابة الولادة . القسم الأول : الفروع فقط : والمعتبر فيهم القرب والجزئية : أي القرب بعد الجزئية دون الميراث كما علمت ، ففي ولدين لمسلم فقير ولو أحدهما نصرانيا أو أنثى تجب نفقته عليهما سوية ذخيرة للتساوي في القرب والجزئية وإن اختلفا في الإرث ، وفي ابن وابن ابن على الابن فقط لقربه بدائع ، وكذا تجب في بنت وابن ابن على البنت فقط لقربها ذخيرة . ويؤخذ من هذا أنه لا ترجيح لابن ابن على بنت بنت وإن كان هو الوارث لاستوائهما في القرب والجزئية ولتصريحهم بأنه لا اعتبار للإرث في الفروع ، وإلا لوجبت أثلاثا في ابن وبنت ولما لزم الابن النصراني مع الابن المسلم شيء ; وبه ظهر أن قول الرملي في حاشية البحر : إنها على ابن الابن لرجحانه مخالف لكلامهم .

القسم الثاني : الفروع مع الحواشي . والمعتبر فيه أيضا القرب والجزئية دون الإرث ، ففي بنت وأخت شقيقة على البنت فقط وإن ورثتا بدائع وذخيرة وتسقط الأخت لتقديم الجزئية . وفي ابن نصراني وأخ مسلم على الابن فقط وإن كان الوارث هو الأخ ذخيرة : أي لاختصاص الابن بالقرب والجزئية . وفي ولد بنت وأخ شقيق على ولد البنت وإن لم يرث ذخيرة : أي لاختصاصه بالجزئية وإن استويا في القرب لإدلاء كل منهما بواسطة ، والمراد بالحواشي هنا من ليس من عمود النسب : أي ليس أصلا ولا فرعا : فيدخل فيه ما في الذخيرة : لو له بنت ومولى عتاقة فعلى البنت فقط وإن ورثا أي لاختصاصها بالجزئية .

القسم الثالث : الفروع مع الأصول والمعتبر فيه الأقرب جزئية : فإن لم يوجد اعتبر الترجيح ، فإن لم يوجد اعتبر الإرث ، ففي أب وابن تجب على الابن لترجحه ب { أنت ومالك لأبيك } ذخيرة وبدائع ، أي وإن استويا في قرب الجزئية ، ومثله أم وابن لقول المتون ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد . قال في البحر : لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ; ولأنه أقرب الناس إليهما . ا هـ فليس ذلك خاصا بالأب كما قد يتوهم بل الأم كذلك . وفي جد وابن ابن على قدر الميراث أسداسا للتساوي في القرب ، وكذا في الإرث وعدم المرجح من وجه آخر بدائع . وظاهره أنه لو له أب وابن ابن أو بنت بنت فعلى الأب ; لأنه أقرب في الجزئية فانتفى التساوي ووجد القرب المرجح ، وهو داخل تحت الأصل المار عن الذخيرة والبدائع ; وكذا تحت قول المتون لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد . القسم الرابع : الفروع مع الأصول والحواشي ، وحكمه كالثالث . لما علمت من سقوط الحواشي بالفروع لترجحهم بالقرب والجزئية ، فكأنه لم يوجد سوى الفروع والأصول ، وهو القسم الثالث بعينه . القسم الخامس : الأصول فقط ، فإن كان معهم أب فالنفقة عليه فقط لقول المتون لا يشارك الأب في نفقة [ ص: 625 ] ولده أحد ، وإلا فإما أن يكون بعضهم وارثا وبعضهم غير وارث أو كلهم وارثين ; ففي الأول يعتبر الأقرب جزئية ، لما في القنية : له أم وجد لأم فعلى الأم أي لقربها ; ويظهر منه أن أم الأب كأبي الأم . وفي حاشية الرملي : إذا اجتمع أجداد وجدات فعلى الأقرب ولو لم يدل به الآخر . ا هـ فإن تساووا في القرب فالمفهوم من كلامهم ترجح الوارث ، بل هو صريح قول البدائع في قرابة الولادة إذا لم يوجد الترجيح اعتبر الإرث . ا هـ وعليه ففي جد لأم وجد لأب تجب على الجد لأب فقط اعتبارا للإرث ، وفي الثاني أعني لو كان كل الأصول وارثين فكالإرث . ففي أم وجد لأب تجب عليهما أثلاثا في ظاهر الرواية خانية وغيرها . القسم السادس : الأصول مع الحواشي ، فإن كان أحد الصنفين غير وارث اعتبر الأصول وحدهم ترجيحا للجزئية ولا مشاركة في الإرث حتى يعتبر فيقدم الأصل سواء كان هو الوارث أو كان الوارث الصنف الآخر ، مثال الأول ما في الخانية : لو له جد لأب وأخ شقيق فعلى الجد . ا هـ

ومثال الثاني ما في القنية : لو له جد لأم وعم فعلى الجد . ا هـ . أي لترجحه في المثالين بالجزئية مع عدم الاشتراك في الإرث ; لأنه هو الوارث في الأول ، والوارث هو العم في الثاني ، وإن كان كل من الصنفين أعني الأصول والحواشي وارثا اعتبر الإرث . ففي أم وأخ عصبي أو ابن أخ كذلك أو عم كذلك ، على الأم الثلث وعلى العصبة الثلثان بدائع . ثم إذا تعدد الأصول في هذا القسم بنوعيه ننظر إليهم ونعتبر فيهم ما اعتبر في القسم الخامس . مثلا : لو وجد في المثال الأول المار عن الخانية : جد لأم مع الجد لأب نقدم عليه الجد لأب لترجحه بالإرث مع تساويهما في الجزئية . ولو وجد في المثال الثاني المار عن القنية أم مع الجد لأم نقدمها عليه لترجحها بالإرث وبالقرب ، وبهذا يسقط الإشكال الذي سنذكره عن القنية كما ستعرفه ، وكذلك لو وجد في الأمثلة الأخيرة مع الأم جد لأم نقدمها عليه لما قلنا ، ولو وجد معها جد لأب بأن كان للفقير أم وجد لأب وأخ عصبي أو ابن أخ أو عم كانت النفقة على الجد وحده كما صرح به في الخانية . ووجه ذلك أن الجد يحجب الأخ وابنه والعم لتنزيله حينئذ منزلة الأب ، وحيث تحقق تنزيله منزلة الأب صار كما لو كان الأب موجودا حقيقة ، وإذا كان الأب موجودا حقيقة لا تشاركه الأم في وجوب النفقة فكذا إذا كان موجودا حكما فتجب على الجد فقط بخلاف ما لو كان للفقير أم وجد لأب فقط فإن الجد لم ينزل منزلة الأب فلذا وجبت النفقة عليهما أثلاثا في ظاهر الرواية كما مر . القسم السابع : الحواشي فقط ، والمعتبر فيه الإرث بعد كونه ذا رحم محرم وتقديره واضح في كلامهم كما سيأتي ثم هذا كله إذا كان جميع الموجودين موسرين ، فلو كان فيهم معسر ، فتارة ينزل المعسر منزلة الميت وتجب النفقة على غيره ، وتارة ينزل منزلة الحي وتجب على من بعده بقدر حصصهم من الإرث وسيأتي بيانه أيضا ، فهذا خلاصة ما اشتملت عليه تلك الرسالة النافية للجهالة ، فعض عليه بالنواجذ ، وكن له أرغب آخذ ، وإن أردت الزيادة على ذلك فارجع إليها وعول عليها ، فإنها فريدة في بابها ، نافعة لطلابها ، وهي من محض فضل الله تعالى ، فله في كل وقت ألف حمد يتوالى .

( قوله النفقة على البنت أو بنتها ) لف ونشر مرتب ، ففي الأول النفقة على البنت وحدها للقرب ، وفي الثاني على بنتها للجزئية ومثله ابن نصراني وأخ مسلم وإن كان الوارث هو الأخ كما قدمناه ( قوله ; لأنه لا يعتبر الإرث ) علة لقوله النفقة على البنت أو والجزئية ، ففي هذا المثال يجب للفقير على جده سدس النفقة وعلى ابن ابنه باقيها فإن هذا الفقير لو مات يرثان منه كذلك وقوله إلا لمرجح استثناء من هذا الاستثناء : أي عند التساوي يعتبر الإرث إلا إذا ترجح أحد المتساويين ، فعلى من معه رجحان فتجب على ابنه دون أبيه مع استوائهما في القرب . [ ص: 626 ] ويرد على هذا ما لو كان له ابن وبنت فإنهما استويا في القرب والجزئية مع عدم المرجح والنفقة عليهما بالسوية ، وكذا لو له ابن نصراني وابن مسلم مع أن المسلم ترجح بكونه هو الوارث ، فيتعين حمل قولهم : والمعتبر فيه القرب والجزئية لا الإرث على ما إذا كان الواجب عليه النفقة فروعا فقط أو فروعا وحواشي وهو القسم الأول ، والثاني من الأقسام السبعة المارة . أما بقية الأقسام فيعتبر فيها الإرث على التفصيل المار فيها . ثم اعلم أن قوله والمعتبر فيه إلخ الضمير فيه راجع إلى ما قبله من نفقة الفروع والأصول على ما قدمناه عن الفتح ومثله في الذخيرة والبحر وإن كان الأصوب إرجاعه إلى نفقة الأصول فقط أي نفقة الأصول الواجبة على الفروع لما علمت من أن عدم اعتبار الإرث على إطلاقه خاص بهم ، لكن الشارح تابع صاحب الفتح في إرجاعه الضمير إلى النوعين ، فلذا أورد مسائل من كل منهما بعضها من نفقة الأصول الواجبة على الفروع وبعضها من عكسه فافهم . ( قوله لترجحه ب { أنت ومالك لأبيك } ) أي بهذا الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة كما في الفتح ، وهو مؤول للقطع بأن الأب يرث السدس من ولده مع وجود ولد الوالد ، فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء معه . قال الرحمتي : وينبغي في جد وابن ابن وجوب النفقة على ابن الابن لهذا المرجح ، فإنهم جعلوه مطردا في جميع الأصول مع الفروع ، وبنوا عليه مسائل : منها أن الجد إذا ادعى ولد أمة ابن ابنه عند فقد الابن صحت دعواه ويتملكها بالقيمة كما هو الحكم في الأب لهذا الحديث فتأمل . ا هـ . ( قوله فكإرثهما ) أي ثلاثا ; لأن كلا منهما وارث فلا يرجح أحدهما على الآخر كما مر في القسم الخامس ( قوله فعلى الأم ) أي لكونها أقرب من أبيها حيث كان أحدهما وارثا والآخر غير وارث كما مر ( قوله فعلى أبي الأم ) ; لأن الجزئية تقدم على غيرها عند عدم المشاركة في الإرث ( قوله واستشكله في البحر إلخ ) أصل الإشكال لصاحب القنية . وجهه أن وجوبها في أم وعم كإرثها نص عليه محمد في الكتاب ، فيقتضي جعل العم بمنزلة الأم ، وفي المسألة التي قبلها جعل أبو الأم متقدما على العم ، فيلزم أن يتقدم أيضا على الأم لمساواتها للعم ، فيشكل جعل النفقة على الأم في مسألة أم وأبي أم ، بل الظاهر جعلها على أبي الأم لتقدمه عليها ، وجعلها على الأم يقتضي تقدمها على أبيها ، ويلزم منه تقدمها على العم ; لأن أباها متقدم عليه فكيف تكون عليهما كإرثهما أفاده ط .

وحاصله أن هذه المسائل الثلاثة متناقضة . وأقول : لا تناقض فيها أصلا ، لما علمت من أن الإرث إنما لا يعتبر في نفقة الأصول الواجبة على الفروع ، أما في غيرها من نفقة الفروع وذوي الرحم فله اعتبار فيها على التفصيل الذي قررناه في الضابط ، وحينئذ فما ذكر في المسألة الأولى من تقديم الأم على أبيها لكونها أقرب في الجزئية مع عدم المشاركة في الإرث ، وبذلك أجاب الخير الرملي أيضا في دفع الإشكال . وما في المسألة الثانية من تقديم أبي الأم على العم لاختصاصه بالجزئية مع عدم المشاركة في الإرث أيضا . وما ذكر في المسألة الثالثة من كونها على قدر الإرث لوجود المشاركة في الإرث ، لما قلنا من اعتبار الميراث في غير نفقة الأصول ; فحيث وجدت المشاركة في الإرث اعتبر قدر الميراث ، فقد ظهر أن جهة التقديم في إيجاب النفقة أو المشاركة فيها مختلفة في المسائل الثلاث فلا تناقض فيها أصلا فافهم ، والله أعلم .

( قوله قال إلخ ) أي صاحب البحر ، وقد نقله أيضا عن القنية حيث قال فيها ويتفرع [ ص: 627 ] من هذه الجملة فرع أشكل الجواب فيه . وهو ما إذا كان له أم وعم وأبو أم موسرون ، فيحتمل أن تجب على الأم لا غير ; لأن أبا الأم لما كان أولى من العم والأم أولى من أبيها كانت الأم أولى من العم ، لكن يترك جواب الكتاب . ويحتمل أن تكون على الأم والعم أثلاثا . ا هـ

قلت : ووجهه الاحتمال الثاني أنه لما نص في مسألة الكتاب على وجوبها على الأم والعم كإرثهما أي أثلاثا علم أن المعتبر الإرث هنا ، فحينئذ يسقط أبو الأم في هذه المسألة المشكلة وهو الصواب . وبه أجاب الخير الرملي أيضا فقال : إن الظاهر من فروعهم أن الأقربية إنما تقدم إذا لم يكونوا وارثين كلهم ، فأما إذا كانوا كذلك فلا كالأم والعم والجد لقولهم بقدر الإرث . ا هـ وبذلك أجاب أيضا شيخ مشايخنا السائحاني وفقيه عصره شيخ مشايخنا منلا علي التركماني ، وهو الموافق لما قدمناه في الضابط في قسم اجتماع الأصول مع الحواشي ، وقد نبهنا على سقوط الإشكال هناك فافهم .




الخدمات العلمية