الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن وطئ قنة ابنه فولدت ) فلو لم تلد لزم عقرها [ ص: 180 ] وارتكب محرما ، ولا يحد قاذفه ( فادعاه الأب ) وهو حر مسلم عاقل ( ثبت نسبه ) بشرط بقاء ملك ابنه من وقت الوطء إلى الدعوة ، وبيعها لأخيه مثلا لا يضر نهر بحثا ( وصارت أم ولده ) لاستناد الملك [ ص: 181 ] لوقت العلوق ( وعليه قيمتها ) ولو فقيرا لقصور حاجة بقاء نسله عن بقاء نفسه ولذا يحل له عند الحاجة الطعام لا الوطء ويجبر على نفقة أبيه لا على دفع جارية لتسريه ( لا عقرها وقيمة ولدها ) ما لم تكن مشتركة فتجب حصة الشريك وهذا إذا ادعاه وحده ، فلو مع الابن ، فإن شريكين قدم الأب وإلا فالابن ولو ادعى ولد أم ولده المنفي أو مدبرته أو مكاتبته شرط تصديق الابن [ ص: 182 ] ( وجد صحيح كأب بعد زوال ولايته بموت وكفر وجنون ورق فيه ) أي في الحكم المذكور ( لا ) يكون كالأب ( قبله ) أي قبل زوال المذكورة ، ويشترط ثبوت ولايته من الوطء إلى الدعوة .

التالي السابق


( قوله ومن وطئ قنة ابنه ) أي أو بنته حموي عن البرجندي ، وشمل الابن الكافر قهستاني والصغير والكبير بحر ، وشمل ما إذا كانت موطوءة للابن أو لم تكن ظهيرية من العتق ، ومحترز القنة ما يأتي في قوله ولو ادعى ولد أم ولده إلخ ، ومحترز الابن ما يأتي في قول المصنف ولو وطئ جارية امرأته أو والده إلخ ( قوله فولدت ) عطف على وطئ وتعقيب كل شيء بحسبه كما في تزوج زيد فولد له فالظاهر أنها لو ولدت قبل مضي مدة الحمل لم تصح الدعوى ، بل مفاد قوله فادعاه عطفا على فولدت أنه لو ادعاه وهي حبلى لم تصح حتى تلد . قال في البحر ولم أره صريحا . وفي النهر : ينبغي أنها لو ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت دعوته أن تصح

مطلب في تفسير العقر

( قوله لزم عقرها ) قال في الفتح : العقر هو مهر مثلها في الجمال : أي ما يرغب فيه في مثلها جمالا فقط ، وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه ، بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول . ا هـ . وإذا تكرر منه الوطء ولم تحبل لزمه مهر واحد ، بخلاف وطء الابن جارية الأب مرارا فعليه بكل [ ص: 180 ] وطء مهر لأن المهر وجب بسبب دعوى الشبهة ، ولو لم يدعها يلزمه الحد فبتكرر دعواها يتكرر المهر ، بخلاف الأب فإنه لا يحتاج إلى دعوى الشبهة خانية ( قوله وارتكب محرما إلخ ) كذا في النهر وأصله في البحر حيث قال : وقيد بالولادة لأنه لو وطئ أمة ابنه ولم تحبل فإنه يحرم عليه ولا يملكها ويلزمه عقرها ، بخلاف ما إذا حبلت منه فإنه يتبين أن الوطء حلال لتقدم ملكه عليه ، ولا يحد قاذفه في المسألتين ، أما إذا لم تلد منه فظاهر لأنه وطئ وطئا حراما في غير ملكه ، وأما إذا حبلت منه فلأن شبهة الخلاف في أن الملك يثبت قبل الإيلاج أو بعده مسقطة لإحصانه كما في الفتح وغيره . ا هـ .

وقوله فإنه يتبين أن الوطء حلال تصريح بمفهوم ما هنا وفيه تأمل لأن ثبوت ملكه لها قبيل الوطء عندنا وقبيل العلوق عند الشافعي إنما هو لضرورة ثبوت النسب كما أوضحه في الفتح ، ولا يلزم من ذلك حل الإقدام على هذا الوطء ، كما لو غصب شيئا وأتلفه ثم أدى ضمانه لمالكه لا يلزم من استناد الملك إلى وقت الغصب حل ما صنع ، ولعل المراد بقوله حلال أنه ليس بزنا إذ لو كان زنا لزمه العقر ولم يثبت النسب ، ويدل على ما قلنا إطلاق قوله الآتي ، ولذا يحل له عند الحاجة الطعام لا الوطء ، وكذا ما قدمناه عن الظهيرية من صحة الدعوى في الأمة الموطوءة للابن مع أنها محرمة على الأب حرمة مؤبدة فيتأمل ( قوله فادعاه ) أي عند قاض كما في شرح الشلبي . وأفاد أنه لا يشترط في صحة الدعوى دعوى الشبهة ولا تصديق الابن فتح . والظاهر أن الفاء لمجرد الترتيب فلا يلزم الدعوى عقب الولادة .

وادعى الحموي اللزوم فورا وهو بعيد ، فليراجع ( قوله وهو حر مسلم عاقل ) فلو كان عبدا أو مكاتبا أو كافرا أو مجنونا لم تصح الدعوى لعدم الولاية ، ولو أفاق المجنون ثم ولدت لأقل من ستة أشهر يصح استحسانا ، ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتيهما مختلفة جازت الدعوى من الأب فتح ، فأفاد أن الإسلام شرط فيما لو كان الابن مسلما ، أما لو كان كافرا فلا يشترط إسلام الأب ولو اختلفت الملة لأن الكفر ملة واحدة . وفي الظهيرية : ولو كان الأب مسلما والابن كافرا صحت دعوته ، ولو كان الأب مرتدا فدعوته موقوفة عنده نافذة عندهما ( قوله بشرط إلخ ) فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه ثم استردها لا تصح الدعوى لأن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق فيستدعي قيام ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك هذا إن كذبه الابن ، فإن صدقه صحت الدعوى ولا يملك الجارية كما إذا ادعاه أجنبي ويعتق على المولى كما في المحيط بحر .

قال في النهر المذكور في الشرح للزيلعي : وعليه جرى في فتح القدير وغيره أنه لا يشترط في صحتها دعوى الشبهة ولا تصديق الابن . ا هـ . أقول : كأنه فهم أن الإشارة في قوله هذا إن كذبه الابن راجعة إلى أصل المسألة أعني ما إذا بقيت الجارية في ملك الابن ، وليس كذلك بل هي راجعة إلى قوله فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه إلخ فلا ينافي ذلك ما ذكره في الزيلعي والفتح من عدم اشتراط التصديق لأنه في أصل المسألة لا فيما نحن فيه بدليل أن اشتراط بقائها في ملك الابن مذكور في الزيلعي والفتح ، فلو كان لا يشترط تصديق الابن وإن أخرجها عن ملكه لم يبق فائدة لاشتراط بقائها في ملكه . وفي الظهيرية من العتق : يشترط أن تكون الجارية في ملكه من وقت العلوق إلى الدعوة ، حتى لو علقت فباعها الابن ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب بقضاء أو غيره أو بخيار رؤية أو شرط أو بفساد البيع ثم ادعاه الأب لا يثبت النسب إلا إذا صدقه الابن . ا هـ . فهذا أيضا صريح فيما قلنا فتدبر .

( قوله وبيعها لأخيه مثلا ) أي أو ابنه أو ابن أخيه لا يضر [ ص: 181 ] لأنها لا تخرج والحالة هذه عن كونها جارية فرعه . ا هـ . ح . وفيه أن بيعها لابنه لا يفيد لأنه لا ولاية للجد عليه مع وجود الأب ، نعم بيعها لابن أخيه يفيد إذا كان أبو ذلك الابن ميتا أو مسلوب الولاية بكفر أو رق أو جنون ليكون للجد المدعي ولاية لأن دعوة الجد لا تصح إلا عند الولاية على فرعه كما يأتي ، أفاد الرحمتي فافهم ( قوله لوقت العلوق ) كذا في الفتح : أي لوقت الوطء القريب من وقت العلوق كي لا ينافي ما يأتي قريبا تأمل ( قوله وعليه قيمتها ) أي لولده يوم علقت كما في مسكين ط . وفي المحيط : ولو استحقها رجل يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لأن الأب صار مغرورا ، ويرجع الأب على الابن بقيمة الجارية دون العقر وقيمة الولد لأن الابن ما ضمن له سلامة الأولاد . ا هـ . بحر .

( قوله لقصور إلخ ) أي أن للأب ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى إبقاء نفسه فكذا إلى صون نسله لأنه جزء منه ، لكن الأولى أشد ، ولذا يتملك الطعام بغير قيمته والجارية بالقيمة ، ويحل له الطعام عند الحاجة دون وطء الجارية ، ويجبر الابن على الإنفاق عليه دون دفع الجارية للتسري : فللحاجة جاز له التملك ، ولقصورها أوجبنا عليها القيمة مراعاة للحقين فتح ، وما ذكره من أنه لا يجبر على الجارية للتسري ذكره الزيلعي أيضا ، ومثله في الدرر وغاية البيان والنهاية ، وما في هذه الشروح المعتبرة لا يعارضه ما سيأتي في النفقة ، وعزاه في الشرنبلالية إلى الجوهرة من أنه يجبر فتدبر ( قوله لا عقرها ) تقدم تفسيره قريبا .

وعند الشافعي وزفر عليه عقرها لثبوت الملك فيها قبيل العلوق لضرورة صيانة الولد . وعندنا قبيل الوطء لأن لازم كون الفعل زنا ضياع الماء شرعا ، فلو لم يقدم عليه ثبت لازمه فظهر أن الضرورة لا تندفع إلا بإثباته قبل الإيلاج ، بخلاف ما لو لم تحبل حيث يجب العقر فتح أي لأنها إذا لم تحبل لم توجد علة تقدم ملكه فيها وهي صيانة الولد كما أفاده الزيلعي ( قوله وقيمة ولدها ) أي ولا قيمة ولدها لأنه علق حر التقدم ملكه نهر .

( قوله ما لم تكن مشتركة ) قال في البحر : فلو كانت مشتركة بينه : أي بين الابن وبين أجنبي كان الحكم كذلك إلا أنه يضمن لشريكه نصف عقرها ولم أره ، ولو كانت مشتركة بين الأب والابن أو غيره يجب حصة الشريك الابن وغيره من العقر ، وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل ، إذ ما فيها من الملك يكفي لصحة الاستيلاد ، وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما لا شرطا كما في الفتح وهي مسألة عجيبة ، فإنه إذا لم يكن للواطئ فيها شيء لا مهر عليه وإذا كانت مشتركة لزمه . ا هـ . ( قوله وهذا إلخ ) الإشارة إلى جميع ما مر ( قوله قدم الأب ) لأن له جهتين حقيقة الملك في نصيبه وحق التملك في نصيب ولده بحر .

قلت : وفي الظهيرية : ولو كانت مشتركة بين رجل وابنه وجده فادعوه كلهم فالجد أولى ، وينبغي حمله على ما إذا كان أبو الرجل ميتا مثلا ليصير للجد الترجيح من جهتين تأمل ( قوله وإلا ) أي وإن لم يكونا شريكين ، وهذا صادق بما إذا كانت للابن وحده أو للأب وحده ، والثاني لا يصح هنا لكن أصل المسألة مفروض في جارية الابن ، فهو قرينة على أن المراد الأول فقط فافهم ( قوله فالابن ) أي تقدم دعواه لأنها سابقة معنى بحر : أي لأن له حقيقة الملك ولأبيه حق التملك ولأن ملك الابن سابق فصار كأنه ادعى قبل الأب تأمل . ا هـ . ( قوله ولو ادعى ) أي الأب ، وقوله المنفي بالنصب نعت لولد أم الولد ، وقوله أو مدبرته أو مكاتبته مجروران بالعطف على أم .

وهذا بيان لمحترز قوله قنة ابنه : أي لو ادعى ولد أم ولد ابنه الذي نفاه ابنه لا يثبت نسبه إلا بتصديق الابن لأن أم [ ص: 182 ] الولد لا تقبل الانتقال إلى ملك غير المستولد ، وقيد بقوله المنفي لأنه إذا لم ينفه الابن يثبت نسبه منه فلا يمكن ثبوته من الأب وإن صدقه الابن ، وكذا لو ادعى ولد مدبرة ابنه أو ولد مكاتبة ابنه الذي ولدته في الكتابة أو قبلها لا يثبت نسبه إلا بتصديق الابن كما في البحر ، لأنه لا يمكن جعل الأب متملكا لهما قبل الوطء ، فإن صدقه ثبت نسبه لاحتمال وطء الأب بشبهة والظاهر لزوم العقر للمكاتبة لأن لها العقر بوطء المولى ، فبوطء أبيه أولى ، وحيث لم يثبت الملك في أم الولد المدبرة ينبغي لزوم العقر للابن على أبيه كما يفيده ما قدمناه فيما لو وطئها ولم تحبل تأمل ( قوله وجد صحيح ) خرج به الجد الفاسد كأبي الأم ، وكذا غير الجد من الرحم المحرم فلا يصدق في جميع الأحوال لفقد ولايتهم بحر عن المحيط ( قوله بعد زوال ولايته ) أي الأب ، وأراد بزوال الولاية عدمها ليشمل ما لو كان كفره أو جنونه أو رقه أصليا ، أفاده الرحمتي ، والمراد بالولاية ولاية التملك كما مر ( قوله فيه ) متعلق بكاف التشبيه ح . فالمعنى أن الجد مشابه للأب في الحكم المذكور ( قوله ويشترط ثبوت ولايته ) أي ولاية الجد الناشئة عن فقد ولاية الأب : أي لا يكفي ثبوتها وقت الدعوة فقط ، بل لا بد من ثبوتها من وقت العلوق إلى وقت الدعوة قال في الفتح : حتى لو أتت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما قلنا في الأب ا هـ أي من أن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق ، فيستدعي قيام ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك .




الخدمات العلمية