الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 46 ] وقوله ( والمحرمة ) بحج أو عمرة ( ولو بمحرم ) عطف [ ص: 47 ] على كتابية فتنبه ( والأمة ولو ) كانت ( كتابية أو مع طول الحرة ) الأصل عندنا أن كل وطء يحل بملك يمين يحل بنكاح ، وما لا فلا ( وإن كره ) تحريما في المحرمة وتنزيها في الأمة ( وحرة على أمة لا ) يصح ( عكسه ولو ) أم ولد ( في عدة حرة ) ولو من بائن [ ص: 48 ] ( وصح لو راجعها ) أي الأمة ( على حرة ) لبقاء الملك ( ولو تزوج أربعا من الإماء وخمسا من الحرائر في عقد ) واحد ( صح نكاح الإماء ) لبطلان الخمس ( و ) صح ( نكاح أربع من الحرائر والإماء فقط للحر ) لا أكثر ( وله التسري بما شاء من الإماء ) فلو له أربع وألف سرية وأراد شراء أخرى فلامه رجل خيف عليه الكفر ولو أراد فقالت امرأته أقتل نفسي لا يمتنع لأنه مشروع ، لكن لو ترك لئلا يغمها يؤجر لحديث { من رق لأمتي رق الله له } بزازية ( ونصفها للعبد ) ولو مدبرا ( ويمتنع عليه غير ذلك ) فلا يحل له التسري أصلا ; لأنه لا يملك .

التالي السابق


( قوله : ولو بمحرم ) المناسب [ ص: 47 ] لمحرم باللام ; لأن النكاح المقدر في المعطوف عليه لا يتعدى بالباء إلا أن يدعي تضمنه معنى التزوج فإنه يتعدى بالباء في لغة قليلة ( قوله : أو مع طول الحرة ) أي مع القدرة على مهرها ونفقتها وهو بالفتح في الأصل الفضل ، ويعدى بعلى ، وإلى فطول الحرة متسع فيه بحذف الصلة ، ثم الإضافة إلى المفعول على ما أشار إليه المطرزي قهستاني ( قوله : الأصل إلخ ) قد يناقش فيه بالأمة المملوكة بعد الحرة فإنه يجوز وطؤها ملكا ، ولا يجوز أن ينكح الأمة على الحرة ط ( قوله : تحريما في المحرمة وتنزيها في الأمة ) أما الثاني فهو ما استظهره في البحر من كلام البدائع ، ومثله في القهستاني ، وأيده بقول المبسوط والأولى أن لا يفعل .

وأما الأول فهو ما فهمه في النهر من كلام الفتح ، وهو فهم في غير محله فإنه في الفتح ذكر دليل المسألة لنا ، وهو ما أخرجه الستة عن ابن عباس { تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال } وذكر دليل الأئمة الثلاثة وهو ما أخرجه الجماعة إلا البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم { لا ينكح المحرم ولا ينكح } أي بفتح الياء في الأول وضمها في الثاني مع كسر الكاف ، ومن فتحها في الثاني فقد صحف بحر . زاد مسلم { ولا يخطب } ثم أجاب بترجيح الأول من وجوه . ثم أجاب على تسليم التعارض بحمل الثاني إما على نهي التحريم والنكاح فيه للوطء أو على نهي الكراهية جمعا بين الدلائل ، وذلك ; لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة ; لأن ذلك يوجب شغل قلبه عن إحسان العبادة لما فيه من خطبة ، ومراودات ودعوة واجتماعات ، ويتضمن تنبيه النفس بطلب الجماع ، وهذا محمل قوله ولا يخطب ، ولا يلزم كونه صلى الله عليه وسلم باشر المكروه ; لأن المعنى المنوط به الكراهة هو عليه الصلاة والسلام منزه عنه ، ولا بعد في اختلاف حكم في حقنا وحقه لاختلاف المناط فينا وفيه كالوصال نهانا عنه وفعله . ا هـ .

وحاصله أن لا ينكح إن كان المراد به الوطء فالنهي للتحريم ، وهذا قطعي لا شبهة فيه أو العقد فالنهي للكراهية ، وما ذكره من الوجه لا يقتضي كراهة التحريم ، وإلا حرم تجارة المحرم في الإماء ، فإن فيه أيضا شغل القلب وتنبيه النفس للجماع ، ويؤيده قوله : وهذا محمل قوله : ولا يخطب على أنه قد صرح في شرح درر البحار بأن النهي للتنزيه . وقول الكنز : وحل تزوج الكتابية والصابئة والمحرمة صريح في ذلك فإن المكروه تحريما لا يحل فافهم .

( قوله : لا يصح عكسه ) أي ولا جمعهما في عقد واحد ، بل يصح في الجمع نكاح الحرة لا الأمة كما صرح به الزيلعي وغيره . وما في الأشباه في قاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام ، وأنه يبطل فيهما سبق قلم . هذا وحرمة إدخال الأمة على الحرة إذا كان نكاح الحرة صحيحا ، فلو دخل بالحرة بنكاح فاسد لا يمنع الأمة شرنبلالية .

[ فرع ]

تزوج أمة بلا إذن مولاها ولم يدخل بها حتى تزوج حرة ثم أجاز المولى لم يجز ; لأن الحل إنما يثبت عند الإجازة فكانت في حكم الإنشاء فيصير متزوجا أمة على حرة ، ولو تزوج ابنتها الحرة قبل الإجازة جاز ; لأن النكاح الموقوف عدم في حق الحل فلا يمنع نكاح غيرها بحر عن المحيط ملخصا ( قوله : ولو أم ولد ) شمل المدبرة والمكاتبة كما في البحر ( قوله : في عدة حرة ) من مدخول المبالغة أي ولو في عدة حرة ( قوله : ولو من بائن ) أشار [ ص: 48 ] به إلى خلاف قولهما بجوازه واتفقوا على المنع في الرجعي ( قوله : لبقاء الملك ) أي ملك نكاح الأمة لأنها لم تخرج بالطلاق الرجعي عن النكاح فالحرة هي الداخلة على الأمة ( قوله : في عقد واحد ) أي على التسع ح ( قوله : لبطلان الخمس ) مفاده أنه لو كانت الحرائر أربعا صح فيهن وبطل في الإماء كما في جمع الحرة مع الأمة بعقد واحد ، يوضحه ما نقله الرحمتي عن كافي الحاكم أن أصل ذلك أنه ينظر في نكاح الحرائر ، فإن كان جائزا لو كن وحدهن أجزأه وأبطلت نكاح الإماء ، وإن كان غير جائز أبطلته وأجزت نكاح الإماء إن كان يجوز لو كن وحدهن . ا هـ .

قلت : ويستفاد منه ما لو كان جملة الحرائر والإماء لم تزد على أربع فإنه يجوز في الحرائر فقط ، وهو صريح ما ذكرناه آنفا عند قوله لا يصح عكسه ( قوله : سرية ) نسبة إلى السر وهو النكاح ، والتزم ضم السين كضم الدال في دهرية نسبة إلى الدهر أو إلى السرور لحصوله بها ط ( قوله : خيف عليه الكفر ) { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } - بزازية - ، ومقتضاه أن مثله الولاية على التزوج على امرأته ، وما فرق به في البحر من أن في الجمع بين الحرائر مشقة بسبب وجوب العدل بينهما بخلاف الجمع بين السراري فإنه لا قسم بينهن مما لا أثر له مع النص نهر أي لأن النص نفي اللوم عن الجهتين .

وقد يقال : إن المتبادر من اللوم على التسري هو اللوم على أصل الفعل بخلاف اللوم على تزوج أخرى ، فإن المتبادر منه اللوم على ما يلحقه من خوف الجور لا على أصل الفعل ، فيكون عملا بقوله تعالى { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } فهذا وجه ما فرق به في البحر أخذا من تنصيصهم على اللوم على التسري فقط ، والتحقيق أنه إن أراد اللوم على أصل الفعل بمعنى أنك فعلت أمرا قبيحا فهو كافر في الموضعين ، وإن كان بمعنى أنك فعلت ما تركه لك أولى لما يلحقك من التعب في النفقة وكثرة العيال ، وإضرار الزوجة بالتسري أو بالتزوج عليها ونحو ذلك فلا كفر في الموضعين ، وإن لم يلحظ شيئا من المعنيين فلا كفر في الموضعين أيضا ، لكن قالوا يخشى عليه الكفر في الأول ; لأن المتبادر منه اللوم على أصل الفعل دون الثاني لتبادر خلافه كما قلنا ، هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم فافهم .

( قوله : لحديث { من رق لأمتي } ) أي رحمها " { رق الله له } " أي أثابه وأحسن إليه ط ( قوله : ولو مدبرا ) مثله المكاتب وابن أم الذي من غير مولاها كما في الغاية ط ( قوله : ويمتنع عليه ) أي على العبد ولو مكاتبا كما في البحر ( قوله : أصلا ) أي ، وإن أذن له به المولى ( قوله : لأنه لا يملك ) أي في هذا الباب إلا الطلاق فلا ينافي أنه يملك غيره كالإقرار على نفسه ونحوه .




الخدمات العلمية