الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الألفاظ المستعملة : الطلاق يلزمني ، والحرام يلزمني ، وعلي الطلاق ، وعلي الحرام فيقع بلا نية للعرف ، [ ص: 253 - 254 ] فلو لم يكن له امرأة يكون يمينا فيكفر بالحنث تصحيح القدوري ، وكذا علي الطلاق من ذراعي بحر .

التالي السابق


( قوله فيقع بلا نية للعرف ) أي فيكون صريحا لا كناية ، بدليل عدم اشتراط النية وإن كان الواقع في لفظ الحرام البائن لأن الصريح قد يقع به البائن كما مر ، لكن في وقوع البائن به بحث سنذكره في باب الكنايات ، وإنما كان ما ذكره صريحا لأنه صار فاشيا في العرف في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره ولا يحلف به إلا الرجال ، وقد مر أن الصريح ما غلب في العرف استعماله في الطلاق بحيث لا يستعمل عرفا إلا فيه من أي لغة كانت ، وهذا في عرف زماننا كذلك فوجب اعتباره صريحا كما أفتى المتأخرون في أنت علي حرام بأنه طلاق بائن للعرف بلا نية مع أن المنصوص عليه عند المتقدمين توقفه على النية ، ولا ينافي ذلك ما يأتي من أنه لو قال : طلاقك علي لم يقع لأن ذاك عند عدم غلبة العرف . وعلى هذا يحمل ما أفتى به العلامة أبو السعود أفندي مفتي الروم ، ومن أن علي الطلاق أو يلزمني الطلاق ليس بصريح ولا كناية : أي لأنه لم يتعارف في زمنه . ولذا قال المصنف في منحه : أنه في ديارنا صار العرف فاشيا في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره فيجب الإفتاء به من غير نية ، كما هو الحكم في الحرام يلزمني وعلي الحرام ، وممن صرح بوقوع الطلاق به للتعارف الشيخ قاسم في تصحيحه ، وإفتاء أبي السعود مبني على عدم استعماله في ديارهم في الطلاق أصلا كما لا يخفى . ا هـ . وما ذكره الشيخ قاسم ذكره قبله شيخه المحقق ابن الهمام في فتح القدير ، وتبعه في البحر والنهر . ولسيدي عبد الغني النابلسي رسالة في ذلك سماها [ رفع الانغلاق في علي الطلاق ] ونقل فيها الوقوع عن بقية المذاهب الثلاثة . [ ص: 253 ] أقول : وقد رأيت المسألة منقولة عندنا عن المتقدمين . ففي الذخيرة وعن ابن سلام فيمن قال : إن فعلت كذا فثلاث تطليقات علي أو قال علي واجبات يعتبر عادة أهل البلد هل غلب ذلك في أيمانهم ا هـ وكذا ذكرها السروجي في الغاية كما يأتي وما أفتى به في الخيرية من عدم الوقوع تبعا لأبي السعود أفندي فقد رجع عنه وأفتى عقبه بخلافه ; وقال : أقول الحق . الوقوع به في هذا الزمان لاشتهاره في معنى التطليق ، فيجب الرجوع إليه والتعويل عليه عملا بالاحتياط في أمر الفروج . ا هـ . [ تنبيه ] عبارة المحقق ابن الهمام في الفتح هكذا : وقد تعورف في عرفنا في الحلف : الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع فيجب أن يجري عليهم ، لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت فأنت طالق ، وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل ا هـ وهذا صريح في أنه تعليق في المعنى على فعل المحلوف عليه بغلبة العرف وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحا . ورأيت التصريح بأن ذلك معتبر في الفصل التاسع عشر من التتارخانية حيث قال : وفي الحاوي عن أبي الحسن الكرخي فيمن اتهم أنه لم يصل الغداة فقال عبده حر أنه قد صلاها وقد تعارفوه شرطا في لسانهم ، قال : أجرى أمرهم على الشرط على تعارفهم ، كقوله : عبدي حر إن لم أكن صليت الغداة وصلاها لم يعتق كذا هنا . ا هـ . وفي البزازية : وإن قال أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقنها إن دخلت الدار بمنزلة قوله عبده حر إن دخلت الدار لأضربنك ، فهذا رجل حلف بعتق عبده ليضربنها إن دخلت الدار ، فإن دخلت الدار لزمه أن يطلقها ، فإن مات أو ماتت فقد فات الشرط في آخر الحياة ا هـ أي فيقع الطلاق كما في منية المفتي . قلت : فيصير بمنزلة قوله إن دخلت الدار ولم أطلقك فأنت طالق ، وإن دخلت الدار ولم أضربك فعبدي حر وذكر الحنابلة في كتبهم أنه جار مجرى القسم بمنزلة قوله والله فعلت كذا . مطلب في قولهم علي الطلاق علي الحرام قال في النهر : ولو قال علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو الحرام ولم يقل لا أفعل كذا لم أجده في كلامهم ا هـ وفي حواشي مسكين : وقد ظفر فيه شيخنا مصرحا به في كلام الغاية للسروجي معزيا إلى المغني . ونصه الطلاق يلزمني أو لازم لي صريح لأنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وكذا قوله علي الطلاق ا هـ . ونقل السيد الحموي عن الغاية معزيا إلى الجواهر : الطلاق لي لازم يقع بغير نية . ا هـ . قلت : لكن يحتمل أن يكون مراد الغاية ما إذا ذكر المحلوف عليه لما علمت من أنه يراد به في العرف التعليق وأن قوله علي الطلاق لا أفعل كذا بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق . فإذا لم يذكر لا أفعل كذا بقي قوله علي الطلاق بدون تعليق والمتعارف استعماله في موضع التعليق بدون الإنشاء ، فإذا لم يتعارف استعماله في الإنشاء منجزا لم يكن صريحا فينبغي أن يكون على الخلاف الآتي فيما لو قال : طلاقك علي ثم رأيت سيدي عبد الغني ذكر نحوه في رسالته . [ تتمة ] ينبغي أنه لو نوى الثلاث تصح نيته لأن الطلاق مذكور بلفظ المصدر ، وقد علمت صحتها فيه ، وكذا [ ص: 254 ] في قوله علي حرام فقد صرحوا بأنه تصح نية الثلاث في أنت علي حرام ( قوله يكون يمينا إلخ ) يعني في صورة الحلف بالحرام فإنه المذكور في الذخيرة وغيرها . ثم رأيت في البزازية قال في المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمته الكفارة والنسفي على أنه لا يلزم . ا هـ . مطلب في قوله علي الطلاق من ذراعي ( قوله وكذا علي الطلاق من ذراعي ) هذا بحث لصاحب البحر أخذه مما مر ، من أنه لو قال : أنت طالق من هذا العمل ولم يقرنه بالعدد وقع قضاء لا ديانة ، قال : فإنه يدل على الوقوع قضاء هنا بالأولى ورده العلامة المقدسي : بأنه في المقيس عليه خاطب المرأة التي هي محل للطلاق ثم ذكر العمل الذي لم تكن مقيدة به حسا ولا شرعا فلم يصح صرف اللفظ في المعنى الشرعي المتعارف إلى غيره بلا دليل ، بخلاف المقيس لأنه أضاف الطلاق إلى غير محله وهو ذراعه مع أنه إذا قال أنا منك طالق يلغو ا هـ ملخصا ، وذكر نحوه الخير الرملي . قلت : وقد يقال : ليس فيه إضافة الطلاق إلى غير محله ، لما مر من أن قوله علي الطلاق لا أفعل كذا بمنزلة إن فعلت فأنت طالق فهو في العرف مضاف إلى المرأة معنى ، ولولا اعتبار الإضافة المذكورة لم يقع ، فكذلك صار هذا بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق من ذراعي فساوى المقيس عليه في الإضافة إلى المرأة . وأيضا فإن قوله أنا منك طالق فيه وصف الرجل بالطلاق صريحا فلا يقع لأن الطلاق صفة للمرأة . وأما قوله علي الطلاق فإن معناه وقوع طلاق المرأة على الزوج فليس فيه إضافة الطلاق إلى غير محله بل إلى محله مع إضافة الوقوع إلى محله أيضا ، فإنه شاع في كلامهم قولهم إذا قال كذا وقع عليه الطلاق ، نعم قال الخير الرملي : إن الحالف بقوله علي الطلاق من ذراعي لا يريد به الزوجة قطعا إذ عادة العوام الإعراض به عنها خشية الوقوع ، فيقولون تارة من ذراعي وتارة من كشتواني وتارة من مروتي ، وبعضهم يزيد بعد ذكره لأن النساء لا خير في ذكرهن . ا هـ . قلت : إن كان العرف كذلك فينبغي أن لا يتردد في عدم الوقوع لأنه أوقع الطلاق على ذراعه ونحوه لا على المرأة ثم قال الخير الرملي : اللهم إلا أن يقول علي الطلاق ثلاثا من ذراعي فللقول بوقوعه وجه ، لأن ذكر الثلاث يعينه فتأمل . ا هـ . .




الخدمات العلمية