الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لو ) ( ارتد ) وعليه نفقة العدة ( ولا شيء من المهر والنفقة سوى السكنى ) ( به يفتى ) ( لو ارتدت ) لمجيء الفرقة منها قبل تأكده ولو ماتت في العدة ورثها زوجها المسلم استحسانا ، وصرحوا بتعزيرها خمسة وسبعين ، وتجبر على الإسلام وعلى تجديد النكاح زجرا لها بمهر يسير كدينار وعليه الفتوى ولوالجية .

وأفتى مشايخ بلخ بعدم الفرقة بردتها زجرا وتيسيرا لا سيما التي تقع في المكفر ثم تنكر ، قال في النهر : والإفتاء بهذا أولى من الإفتاء بما في النوادر لكن قال المصنف : ومن تصفح أحوال نساء زماننا وما يقع منهن من موجبات الردة مكررا في كل يوم لم يتوقف في الإفتاء برواية النوادر . [ ص: 195 ] قلت : وقد بسطت في القنية والمجتبى والفتح والبحر : وحاصلها أنها بالردة تسترق وتكون فيئا للمسلمين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، ويشتريها الزوج من الإمام أو يصرفها إليه لو مصرفا . ولو استولى عليها الزوج بعد الردة ملكها وله بيعها ما لم تكن ولدت منه فتكون كأم الولد ، ونقل المصنف في كتاب الغصب أن عمر رضي الله عنه هجم على نائحة فضربها بالدرة حتى سقط خمارها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين قد سقط خمارها ، فقال إنها لا حرمة لها .

ومن هنا قال الفقيه أبو بكر البلخي حين مر بنساء على شط نهر كاشفات الرءوس والذراع فقيل له كيف تمر ؟ فقال ، لا حرمة لهن إنما الشك في إيمانهن كأنهن حربيات

التالي السابق


( قوله لو ارتد ) قيد في قوله ولغيرها النصف إلخ ( قوله وعليه نفقة العدة ) أي لو مدخولا بها إذ غيرها لا عدة عليها . وأفاد وجوب العدة سواء ارتد أو ارتدت بالحيض أو بالأشهر لو صغيرة أو آيسة أو بوضع الحمل كما في البحر ( قوله ولا شيء من المهر ) أي في غير المدخول بها لأنها محل التفصيل بقوله لو ارتد ، وقوله لو ارتدت .

( قوله والنفقة ) قد علمت أن الكلام في غير المدخول بها ، وهذه لا نفقة لها لعدم العدة لا لكون الردة منها ، لكن المدخول بها كذلك لا نفقة لها لو ارتدت ، ولذا قال في البحر : وحكم نفقة العدة كحكم المهر قبل الدخول ، فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة ، وإن ارتدت فلا نفقة لها ( قوله سوى السكنى ) فلا تسقط سكنى المدخول بها في العدة لأنها حق الشرع ، بخلاف نفقة العدة ولذا صح الخلع على النفقة دون السكنى ، والظاهر أن هذا مفروض فيما لو أسلمت وإلا فالمرتدة تحبس حتى تعود وسيأتي أن المحبوسة كالخارجة بلا إذنه لا نفقة لها ولا سكنى

( قوله لو ارتدت ) أطلقه فشمل الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة بحر ( قوله قبل تأكده ) أي المهر فإنه يتأكد بالموت أو الدخول ولو حكما ( قوله ورثها زوجها استحسانا ) هذا إذا ارتدت وهي مريضة ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب ، وبخلاف ردتها في الصحة ، وبخلاف ما لو ارتد هو فإنها ترثه مطلقا إذا مات أو لحق وهي في العدة كما في الخانية من فصل المعتدة التي ترث ، وسيذكره المصنف أيضا في طلاق المريض .

ووجهه أن ردته في معنى مرض الموت لأنه إن لم يسلم يقتل فيكون فارا فترثه مطلقا ، أما المرأة فلا تقتل بالردة فلم تكن فارة إلا إذا كانت ردتها في المرض ( قوله وصرحوا بتعزيرها خمسة وسبعين ) هو اختيار لقول أبي يوسف فإن نهاية تعزير الحر عنده خمسة وسبعون وعندهما تسعة وثلاثون . قال في الحاوي القدسي : وبقول أبي يوسف نأخذ . قال في البحر : فعلى هذا المعتمد في نهاية التعزير قول أبي يوسف سواء كان في تعزير المرتدة أو لا ( قوله وتجبر ) أي بالحبس إلى أن تسلم أو تموت ( قوله وعلى تجديد النكاح ) فلكل قاض أن يجدده بمهر يسير ولو بدينار رضيت أم لا وتمنع من التزوج بغيره بعد إسلامها . ولا يخفى أن محله ما إذا طلب الزوج ذلك ، أما لو سكت أو تركه صريحا فإنها لا تجبر وتزوج من غيره لأنه ترك حقه بحر ونهر ( قوله زجرا لها ) عبارة البحر حسما لباب المعصية : والحيلة للخلاص منه ا هـ ولا يلزم من هذا أن يكون الجبر على تجديد النكاح مقصورا على ما إذا ارتدت لأجل الخلاص منه ، بل قالوا ذلك سدا لهذا الباب من أصله سواء تعمدت الحيلة أم لا كي لا تجعل ذلك حيلة ( قوله قال في النهر إلخ ) عبارته : ولا يخفى أن الإفتاء بما اختاره بعض أئمة بلخ أولى من الإفتاء بما [ ص: 195 ] في النوادر ، ولقد شاهدنا من المشاق في تجديدها فضلا عن جبره بالضرب ونحوه ما لا يعد ولا يحد . وقد كان بعض مشايخنا من علماء العجم ابتلي بامرأة تقع فيما يوجب الكفر كثيرا ثم تنكر وعن التجديد تأبى ، ومن القواعد : المشقة تجلب التيسير والله الميسر لكل عسير . ا هـ .

قلت : المشقة في التجديد لا تقتضي أن يكون قول أئمة بلخ أولى مما في النوادر ، بل أولى مما مر أن عليه الفتوى ، وهو قول البخاريين لأن ما في النوادر هو ما يأتي من أنها بالردة تسترق تأمل ( قوله وقد بسطت ) أي رواية النوادر ( قوله والفتح ) فيه أنه لم يزد على قوله ولا تسترق المرتدة ما دامت في دار الإسلام في ظاهر الرواية . وفي رواية النوادر عن أبي حنيفة تسترق ا هـ ثم رأيت صاحب الفتح بسط ذلك في باب المرتد ( قوله وحاصلها إلخ ) قال في القنية بعدما مر عن الفتح : ولو كان الزوج عالما استولى عليها بعد الردة تكون فيئا للمسلمين عند أبي حنيفة ثم يشتريها من الإمام أو يصرفها إليه إن كان مصرفا ، فلو أفتى مفت بهذه الرواية حسما لهذا الأمر لا بأس به . ا هـ . ، قال في البحر : وهكذا في خزانة الفتاوى ، ونقل قوله فلو أفتى مفت إلخ عن شمس الأئمة السرخسي . ا هـ .

قلت : ومقتضى قوله ثم يشتريها إلخ أنه إن كان مصرفا لا يملكها بمجرد الاستيلاء عليها وقوله تكون فيئا قالط : ظاهره ولو أسلمت بعده لأن إسلام الرقيق لا يخرجه عن الرق . ا هـ . ( قوله ولو استولى عليها الزوج ) فيه اختصار مخل . وعبارة القنية بعدما تقدم قلت : وفي زماننا بعد فتنة التتر العامة صارت هذه الولاية التي غلبوا عليها وأجروا أحكامهم فيها كخوارزم وما وراء النهر وخراسان ونحوها صارت دار الحرب في الظاهر ، فلو استولى عليها الزوج بعد الردة يملكها ولا يحتاج إلى شرائها من الإمام فيفتى بحكم الرق حسما لكيد الجهلة ومكر المكرة على ما أشار إليه في السير الكبير ا هـ فقوله يملكها إلخ مبني على ظاهر الرواية من أنها لا تسترق ما دامت في دار الإسلام ، ولا حاجة إلى الإفتاء برواية النوادر لما ذكذذره من صيرورة دارهم دار حرب في زمانهم فيملكها بمجرد الاستيلاء عليها لأنها ليست في دار الإسلام فافهم .

( قوله وله بيعها إلخ ) ذكره في البحر بحثا أخذا من قول القنية يملكها واستشهد لقوله ما لم تكن إلخ بما في الخانية لو لحقت أم الولد بعد ارتدادها بدار الحرب ثم سبيت وملكها الزوج يعود كونها أم ولده وأمومية الولد تتكرر بتكرار الملك . ا هـ . ( قوله بالدرة ) بالكسر : السوط والجمع درر مثل سدرة وسدر مصباح ( قوله والذراع ) أل للجنس والمناسب لما قبله الأذرع بالجمع ط ( قوله فقال ) تأكيد فقال الأول ط والداعي إليه طول الفاصل ( قوله كأنهن حربيات ) أي فهن فيء مملوكات والرأس والذراع ليس بعورة من الرقيق . ووجه الأخذ من قول عمر رضي الله تعالى عنه أنه إذا سقطت حرمة النائحة تسقط حرمة هؤلاء الكاشفات رءوسهن في ممر الأجانب لما ظهر له من حالهن أنهن مستخفات مستهينات وهذا سبب مسقط لحرمتهن فافهم . [ ص: 196 ] ثم اعلم أنه إذا وصلن إلى حال الكفر وصرن مرتدات فحكمهن ما مر من أنهن لا يملكن ما دمن في دار الإسلام على ظاهر الرواية ، وأما ما مر من أنه لا بأس من الإفتاء بما في النوادر من جواز استرقاقهن فذا بالنسبة إلى ردة الزوجة للضرورة لا مطلقا إذ لا ضرورة في غير الزوجة إلى الإفتاء بالرواية الضعيفة ، ولا يلزم من سقوط الحرمة وجواز النظر إليهن جواز تملكهن في دارنا لأن غايته أنهن صرن فيئا ولا يلزم من جواز النظر إليهن جواز الاستيلاء والتمتع بهن وطئا وغيره لأنه يجوز النظر إلى مملوكة الغير ولا يجوز وطؤها بلا عقد نكاح . وبهذا ظهر غلط من ينسب نفسه إلى العلم في زماننا في زعمه الباطل أن الزانيات اللاتي يظهرن في الأسواق بلا احتشام يجوز وطؤهن بحكم الاستيلاء فإنه غلط قبيح يكاد أن يكون كفرا حيث يؤدي إلى استباحة الزنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . [ فرع ]

في البحر عن الخانية : غاب عن امرأته قبل الدخول بها فأخبره بردتها مخبر ولو مملوكا أو محدودا في قذف وهو ثقة عنده أو غير ثقة ، لكن أكبر رأيه أنه صادق له التزوج بأربع سواها وإن أخبرت بردة زوجها لها التزوج بآخر بعد العدة في رواية الاستحسان . قال السرخسي وهي الأصح




الخدمات العلمية