الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4155 [ ص: 583 ] 4417 - حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يخبر قال: أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العسرة قال: كان يعلى: يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي. قال عطاء: فقال صفوان: قال يعلى: فكان لي أجير فقاتل إنسانا، فعض أحدهما يد الآخر -قال عطاء: فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته- قال: فانتزع المعضوض يده من في العاض، فانتزع إحدى ثنيتيه، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيته. قال عطاء وحسبت أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أفيدع يده في فيك تقضمها، كأنها في في فحل يقضمها؟! ". [انظر: 1848- مسلم: 1674 - فتح: 8 \ 112]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أرسلني أصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله الحملان، إذ [هم] معه في جيش العسرة -وهي غزوة تبوك- فقال: "والله لا أحملكم". ثم بعث إليه فحملهم .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى تبوك، واستخلف عليا - رضي الله عنه - قال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبئ بعدي؟ ". وقال أبو داود: حدثنا شعبة، عن الحكم: سمعت مصعبا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 584 ] ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يعلى - رضي الله عنه -: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العسرة. فذكر حديث العض، وقد سلف في الإجارة .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              تبوك: المشهور فيها ترك الصرف; للتأنيث والعلمية، وجاء في موضع من البخاري: (حتى بلغ تبوكا) تغليبا للموضع.

                                                                                                                                                                                                                              وسميت تبوك; بالعين التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ألا يمسوا من مائها شيئا، فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشيء من ماء، فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما -فيما ذكر القتبي-: "مازلتما تبوكانها منذ اليوم". قاله القتبي. فبذلك سميت العين تبوك. والبوك كالنقش والحفر في الشيء. يقال منه: باك الحمار الأتان يبوكها إذا (نزا) عليها. قلت: قد سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ففي "صحيح مسلم": "إنكم ستأتون عين تبوك غدا إن شاء الله، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" . ولابن إسحاق: فقال: "من سبق إليها" قالوا: يا رسول الله فلان وفلان وفلان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 585 ] وعند الواقدي: سبق إليها (أربعة) من المنافقين معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي ووديعة بن ثابت وزيد بن لصيت.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن عائذ أنه - عليه السلام - اغترف غرفة منها فمضمض بها فاه، ثم بصقه فيها، ففارت عينها حتى امتلأت حتى الساعة، وبينها وبين المدينة أربعة عشر مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وهي آخر غزاة غزاها بنفسه، وخرج إليها -كما قال ابن سعد- في رجب سنة تسع يوم الخميس، وسميت العسرة -كما قال الله تعالى: الذين اتبعوه في ساعة العسرة [التوبة: 117] وخرجوا في حر شديد، وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، فعطشوا يوما عطشا شديدا، فأقبلوا ينحرون الإبل و (يشربون) أكراشها ويشربون ما فيها، فكان ذلك عسرة من الماء، وعسرة من الطهر، وعسرة من النفقة، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها [إلا هذه الغزوة] فإنه أعلمهم بها; ليأخذوا عدة سفرهم، وليتأهبوا له لبعده ومشقته; ولما بلغه أن الروم جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول الله الناس إلى الخروج وأعلمهم بالمكان الذي يريد، ليتأهبوا لذلك، وذلك في حر شديد، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وهو أثبت عندنا -وخالفه ابن عبد البر، فقال: الأثبت: علي بن أبي طالب- فلما سار تخلف ابن أبي ومن كان معه، فقدم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 586 ] - عليه السلام - تبوك في ثلاثين ألفا من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف، وأقام بها عشرين يوما، يقصر الصلاة وعند (ابن عبد البر) : بضعة عشر يوما، ولحقه أبو ذر وأبو خيثمة السالمي، ثم انصرف - عليه السلام - ولم يلق كيدا وقدم المدينة في رمضان سنة تسع.

                                                                                                                                                                                                                              وعند البيهقي: كان معه [زيادة] على ثلاثين ألفا من الناس، وحمل فيها عثمان على ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الواقدي: بسبع مائة بعير ومائة فرس.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الصحابة" لابن الأثير عن أبي زرعة: شهد معه تبوك أربعون ألفا. وفي كتاب الحاكم ، عن أبي زرعة: سبعون ألفا .

                                                                                                                                                                                                                              ويجوز أن يكون عد مرة المتبوع، ومرة المتبوع والتابع.

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: وقد روي في سبب خروجه - عليه السلام - إلى تبوك وسبب رجوعه خبر إن صح ثم ذكر من حديث شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن عثمان أن اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 587 ] صادقا أنك نبي فالحق بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء. فصدق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها إلى قوله: تحويلا [الإسراء: 76 - 77 ] وأمره تعالى بالرجوع إلى المدينة. وقال: "فيها محياك، وفيها مماتك، ومنها تبعث"
                                                                                                                                                                                                                              الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ولما رجع أمر بهدم مسجد الضرار، وسمى لحذيفة المنافقين الذين أرادوا المكر به، وهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبو حاضر الأعرابي، وعامر، وأبو عامر الراهب -وهو رأسهم، ولأجله بني المسجد- والجلاس بن سويد بن الصامت، ومجمع بن جارية وفليح التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة ومرة بن الربيع، قال: ومات هؤلاء الاثنا عشر منافقين محاربين لله

                                                                                                                                                                                                                              ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وادعى ابن الجوزي أن الجلاس تاب وحسنت حاله. وقال ابن حبيب في مجمع: له استقامة وصحبة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ومن المنافقين على زمنه أوس بن قيظي وبجاد بن عثمان الضبيعي، وكان ممن بنى مسجد النفاق وكذلك بحزج وبشر بن أبيرق أبو طعمة، وبشر بن زياد أخو رافع، وثعلبة بن حاطب، وجارية بن عامر بن مجمع، والجد بن عبد الله من أصحاب عقبة تبوك، والجد بن قيس،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 588 ] والحارث بن زيد أحد من سبق إلى عين تبوك، والحارث بن سويد الذي قتل المجذر وحاطب بن أمية بن نافع، وحدير بن أبي حدير، وخذام بن خالد، وخذام بن وداعة، وداعس اليهودي، ودري بن الحارث الأوسي، ورافع بن حريملة، ورافع بن زياد، ورافع بن زيد، ورفاعة بن رافع، وقيل: رفاعة بن زيد بن التابوت -عم قتادة بن النعمان- وقيل: (...) وزيد بن جارية. وقيل: يزيد. وقيل: ثابت، وزيد بن عمرو، وزيد بن اللصيت، وقيل: النصيت، وسعد بن حنيف، وسعد بن زرارة، وسلسلة بن برهام،

                                                                                                                                                                                                                              وسلالة بن الحمام، وسوقة بن عدي الساعدي، وسويد اليهودي والضحاك بن خليفة وعبد الله بن أبي، وعبد الله بن (...) ، وعباد بن حنيف، وعدي بن ربيعة، وعقبة بن كديم، وقزمان، وقيس بن رفاعة، وقيس بن زيد. وقيل: ابن يزيد، وقيس بن عمرو، وكنانة بن صوريا ومالك بن أبي (توفل) ، ومبشر بن أبيرق، وقال ابن ماكولا: له صحبة واستقامة، ومخشي بن حمير الأشجعي، وقيل: تاب، ومربع بن قيظي الأعمى، ومسعود بن أوس بن زيد بن أصرم، ومعتب -وقيل: مغيث- بن قشير، ومعمر بن عمرو بن أوفى، ونبتل بن الحارث، ووديعة بن جذام، ووديعة بن ثابت، ووديعة بن عامر، ويزيد بن جارية بن مجمع -وقيل: تاب- وقد سلف، (وأبو خيثمة) بن الأزعر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 589 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله في الحديث الأول: "خذ هذين القرينين (وهذين) القرينين" أراد: النظيرين المتساويين في السن.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("هذين"). قال ابن التين: صوابه: هاتين; لأن القرينين مؤنثان.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ابتاعهم) وفي بعض النسخ: (ابتاعهن). وهو صوابه أو ابتاعها; لأنه جمع ما لا يعقل.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والحديث الثاني من أعظم مناقب علي - رضي الله عنه -.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (قال أبو داود، ثنا شعبة ..) إلى آخره. أسنده البيهقي في "دلائله" من حديث يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والعض بالأسنان، وأصله عضض على وزن: علم، وقيل: على وزن: ضرب، والأول أوضح; لقوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه [الفرقان: 27] والثنية: مقدم الأسنان، وهي أربعة: ثنتان من الأعلى وثنتان من الأسفل. ويقضمها: يخلعها، وهو بفتح الضاد. يقال: قضمت الدابة شعيرها تقضمه، أي: أكلته.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية