الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4067 4322 - وقال الليث: حدثني يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد -مولى أبي قتادة- أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده، فقطعتها، ثم أخذني، فضمني ضما شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون، وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. ثم تراجع الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه". فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحدا يشهد لي فجلست، ثم بدا لي، فذكرت أمره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه. فقال أبو بكر: كلا، لا يعطه أصيبغ من قريش، ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأداه إلي; فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تأثلته في الإسلام. [انظر: 2100- مسلم: 1751 - فتح: 8 \ 36]

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 462 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 462 ] حنين: واد بينه وبين مكة ثلاث ليال، وهو حنين بن قاينة بن مهلائيل نسب إليه الموضع ، وهي غزوة هوازن كما سلف في الجهاد في باب: من قاد دابة غيره في الحرب .

                                                                                                                                                                                                                              وادعى السهيلي أنها تعرف أيضا بأوطاس فسميت باسم الموضع الذي كانت فيه الوقعة أخيرا ، وكانت يوم السبت لست ليال من شوال سنة ثمان من الهجرة، وكانت سيماء الملائكة فيها عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سعد في موضع آخر عن الحكم: خرج إليها - عليه السلام - لليلتين بقيتا من رمضان أي مهيئا قالوا: في اثني عشر ألفا: عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفان من أهل مكة، فقال الصديق: لا نغلب اليوم من قلة، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، فلما انهزمت بنو سليم وأهل مكة جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله" فثاب إليه من انهزم، وثبت معه يومئذ العباس وعلي والفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأبو بكر وعمر وأسامة في أناس من أهل بيته وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحارث بن النعمان: مائة رجل وسيأتي تعداد بعضهم، ورماهم بحصيات; فقذف الله في قلوبهم الرعب وانهزموا لا يلوي أحد على أحد، وسبى منهم ستة آلاف رأس، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 463 ] والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، ثم رد عليهم سبيهم لما أتاه وفدهم بإسلامهم، ثم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة بقيت منها ليلا، فأحرم بالعمرة ثم رجع من ليلته فبات ثم غدا يوم الخميس وانصرف إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ: لم يكن معه يومئذ إلا أبو سفيان بن الحارث.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث يعلى بن عطاء: أنه - عليه السلام - اقتحم يومئذ عن فرسه، وأخذ كفا من تراب وضرب بهم وجوههم، فلم يبق منهم أحد إلا امتلأت عيناه وفوه ترابا . وعند ابن هشام وغيره فيمن ثبت معه يوم حنين قثم بن عباس، وفيه نظر; لأنه - عليه السلام - توفي وهو صغير . وعند الزبير بن أبي بكر: وكان عتبة ومغيث ابنا أبي لهب ممن ثبت يومئذ، ولابن إسحاق: وأيمن ابن أم أيمن .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن عبد البر : وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأم سليم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 464 ] ولعبد الغني: وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب. ولابن الأثير: وعقيل بن أبي طالب ، ولابن عباس في "تفسيره": وأبو دجانة، ونفر من الأنصار تعلقوا بثغر النخلة، وللبيهقي عن ابن مسعود بقيت أنا معه في ثمانين رجلا من الأنصار والمهاجرين، وناولته كفا من تراب فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابا . وقال العباس:


                                                                                                                                                                                                                              نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقد فر من قد فر منهم وأقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه
                                                                                                                                                                                                                              لما مسه في الله لا يتوجع



                                                                                                                                                                                                                              يريد بالميت أيمن ابن أم أيمن. ولأبي معشر : ثبت معه يومئذ مائة رجل بضعة (وثلاثين) من المهاجرين وسائرهم من الأنصار، وسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه، ثم طرح غمده وقال: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"

                                                                                                                                                                                                                              وقال لأبي سفيان بن الحارث: "ناولني ترابا" فناوله .. الحديث، وكان - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة . وقال ابن هشام: [قال - صلى الله عليه وسلم -] حينئذ لبغلته -أي: الشهباء، كما ذكره أبو نعيم في "دلائله"-: "البدي" فوضعت بطنها على الأرض وأخذ حفنة فضرب بها وجوه هوازن .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 465 ] وعند ابن سعد أن هذه البغلة هي: دلدل، وتبعه أبو عمر وابن حزم وغيرهما، وفي مسلم: (بغلته الشهباء) . يعني: دلدل التي أهداها المقوقس، ويجوز أن يكون ركبهما يومئذ معا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ذكر البخاري في الباب أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يزيد بن هارون، نا إسماعيل قال: رأيت بيد ابن أبي أوفى ضربة، قال: ضربتها مع رسول الله يوم حنين. قلت: شهدت حنينا؟ قال: قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هو ممن بايع تحت الشجرة، وهو آخر الصحابة موتا بالكوفة سنة ست وثمانين، وهو: عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبو معاوية أو أبو إبراهيم أو أبو محمد، أبوه صحابي أيضا، بعث مع ابنه عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث البراء جاءه رجل فقال: يا أبا عمارة، أتوليت يوم حنين؟ فقال: أما أنا فأشهد على النبي أنه لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن، وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء، يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 466 ] وعنه بنحوه، وقالوا: كانوا رماة، فقال: "أنا النبي .. " إلى آخره،

                                                                                                                                                                                                                              وعنه: سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان لآخذ بزمامها، وهو يقول: "أنا النبي لا كذب". قال إسرائيل وزهير: نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في الجهاد في باب: بغلته البيضاء ، وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة إليه بغلة بيضاء ، وباب: من صف أصحابه عند الهزيمة وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (سرعان) هو بفتح السين والراء أي: (أخفاؤهم) والمستعجلون منهم، وحكي سكون الراء، وحكي أيضا ضم السين جمع سريع، وقال الخطابي: بعضهم يقوله بكسر السين وهو خطأ، قال: وأما قولهم: سرعان ما فعلت فبالفتح والضم والكسر . وقال ابن التين: هو بضم السين وقيل: الصواب فتحها مع فتح الراء.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن أخي ابن شهاب: قال محمد بن شهاب: وزعم عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ..

                                                                                                                                                                                                                              الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 467 ] وقد سلف في الخمس سندا ومتنا . ومعنى: (قفل من الطائف): رجع، والقافلة: الراجعة من السفر، ويذكر أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعباس بن مرداس أبوا أن يطيبوا فقوبلوا في مال لهم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث نذر اعتكاف عمر - رضي الله عنه - في الجاهلية وأمره - عليه السلام - بوفائه.

                                                                                                                                                                                                                              سلف في الاعتكاف، ورواه هناك من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، وفيه: أعتكف ليلة . ورواه هنا من حديث معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: لما قفلنا من حنين سأل عمر عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: وقال بعضهم: حماد، عن أيوب به، وخرج ذلك مخرج الحض على الوفاء لا اللزوم، ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة. وهو الأصح عندنا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي قتادة: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، ثم ذكر قصة السلب.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: وقال الليث: ثنا يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد -مولى أبي قتادة- أن أبا قتادة .. فذكره أيضا، وقد أسلفت الكلام عليهما في باب: من لم يخمس الأسلاب .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: (يختله) بكسر التاء: يخدعه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 468 ] وقوله: (واشتريت به خرافا): هو اسم ما يخترف من الثمر كالخرفة، فأقام الثمر مقام الأصل والمراد هنا: البستان، كما جاء في الرواية الأخرى: (مخرفا).




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية