الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3471 - حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن عبد الله بن معمر الأنصاري ، عن أبي يونس مولى عائشة ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله - : إني أصبح جنبا وأنا أريد الصوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أصبح جنبا ، وأنا أريد الصوم ، فأغتسل وأصوم ، فقال : يا رسول الله ، إنك لست مثلنا ؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي .

                                                        فلما كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك السائل هو إخباره عن فعل نفسه في ذلك ، ثبت بذلك أن حكمه في ذلك وحكم غيره سواء ، فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار ، وأما وجهه من طريق النظر في ذلك فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن صائما لو نام نهارا فأجنب ، أن ذلك لا يخرجه عن صومه ، فأردنا أن ننظر أنه : هل يكون داخلا في الصوم وهو كذلك ؟ أو يكون حكم الجنابة إذا طرأت على الصوم خلاف حكم الصوم إذا طرأ عليها ؟ فرأينا الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم من الحيض والنفاس إذا طرأ ذلك على الصوم أو طرأ عليه الصوم ، فهو سواء ، ألا ترى أنه ليس لحائض أن تدخل في الصوم وهي حائض ، وأنها لو دخلت في الصوم طاهرا ، ثم طرأ عليها الحيض في ذلك اليوم أنها بذلك خارجة من الصوم ، فكانت الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم هي الأشياء التي إذا طرأت على الصوم أبطلته .

                                                        [ ص: 107 ] وكانت الجنابة إذا طرأت على الصوم باتفاقهم جميعا لم تبطله ، فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك إذا طرأ عليها الصوم لم تمنع من الدخول فيه ، فثبت بذلك ما قد وافق ما روته أم سلمة وعائشة رضي الله عنها ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية