الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 310 ] فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم .

[4] فإذا لقيتم الذين كفروا في المحاربة فضرب الرقاب مصدر بمعنى الفعل; أي: فاضربوا الرقاب ضربا، المعنى: إذا لقيتموهم، فاقتلوهم، وعين من أنواع القتل أشهره وأعرفه، فذكره.

حتى إذا أثخنتموهم أكثرتم فيهم القتل، وأوهنتموهم به.

فشدوا الوثاق أي: فأسروهم، واحتفظوا بهم حتى لا يفلتوا منكم، ولما قوي الإسلام، نزل:

فإما منا بعد أي: تمنون عليهم منا بإطلاقهم بعد أسرهم.

وإما فداء أي: تفادوهم فداء; أي: أنتم مخيرون في ذلك.

حتى تضع الحرب أي: أصحابها.

أوزارها سلاحها، فيمسكوا عن الحرب، وأصل الوزر: ما يحمله الإنسان.

واختلفوا في حكم الآية، فقال قوم: هي منسوخة بقوله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم [الأنفال: 57] ، وبقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] ، وهو قول أبي حنيفة، وذهب آخرون إلى أنها محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم، أو يسترقهم، أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض، أو يفاديهم بالمال، أو بأسارى المسلمين، وهو قول الشافعي ومالك وأحمد; لأنه [ ص: 311 ] عمل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء بعده، ومعنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله [الأنفال: 39]، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم -عليه السلام-.

وجاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال".

ذلك أي: الأمر ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم فأهلكهم بغير قتال.

ولكن أمركم بالقتال ليبلو بعضكم ببعض ليختبر المؤمنين بالكافرين; بأن يجاهدوهم، فيستوجبوا الثواب، والكافرين بالمؤمنين; بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم; ليرتدع بعضهم عن الكفر.

والذين قتلوا في سبيل الله قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وحفص عن عاصم: (قتلوا) بضم القاف وكسر التاء من غير ألف بينهما; يعني: الشهداء، وقرأ الباقون: بفتح القاف والتاء وألف بينهما; يعني: المجاهدين. [ ص: 312 ]

فلن يضل أعمالهم روي أنها نزلت يوم أحد، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية