الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما مشيه صلى الله عليه وسلم فكان يمشي كأنما يتقلع من صخر وينحدر من صبب يخطو تكفيا ويمشي الهوينا بغير تبختر والهوينا تقارب الخطا .

التالي السابق


(وأما مشيه صلى الله عليه وسلم فكان) صلى الله عليه وسلم (يمشي فكأنما يتقلع من صخر وينحدر من صبب) محركة أي انحدار (يخطو تكفيا) بالفاء والهمز أي مائلا إلى سنن المشي (الهوينا بغير تبختر والهوينا تقارب الخطا) أي يمشي بقوة ، رواه البيهقي بلفظ : "وإذا مشى فكأنما يتقلع في صخر وينحدر في صبب يخطو تكفيا ويمشي الهوينا بغير عثر ، والهوينا تقارب الخطا ، والمشي على الهينة " .

وروى الترمذي في الشمائل ، والطبراني والبيهقي من حديث هند بن أبي هالة ، وإذا زال تقلعا ويخطو تكفيا ، ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى ، كأنما ينحط من صبب " الحديث .

وروى مسلم من حديث أنس : " إذا مشى تكفأ " ، وروى البيهقي من حديث أبي هريرة : "وما رأيت أحدا أسرع في مشيه منه ، كأن الأرض تطوى له إنا لنجتهد وإنه غير مكترث " ، وفي لفظ آخر له " يطأ بقدمه جميعا إذا أقبل ، أقبل جميعا ، وإذا أدبر ، أدبر جميعا " ، ومن حديث علي : "إذا مشى تكفى تكفؤا كأنما ينحط من صبب " ، الحديث ، وفي لفظ آخر له : "وكان يتكفأ في مشيته ، كأنما يمشي من صبب " ، وفي لفظ آخر : " إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد " ، وفي لفظ آخر : "وكان إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب " ، وفي لفظ آخر : "إذا مشى يمشي قلعا كأنما ينحدر من صبب " ، وفي لفظ آخر له : "إذا مشى كأنما ينحدر من صبب ، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر " ، ومن حديث أنس : "وكان يتوكأ إذا مشى " ، وقوله في حديث علي : يمشي قلعا ضبط بالفتح ، وهو مصدر بمعنى الفاعل ، أي قالعا لرجله من الأرض ، وبالضم إما مصدر أو اسم بمعنى الفتح ، أو بفتح فكسر ، وهو بمعنى رواية كأنما ينحط من صبب ، إذ الانحدار من الصبب والتقلع من الأرض متقاربان ، والمعنى أنه يستعمل التثبت ولا يتبين منه ، حينئذ استعجال ومبادرة شديدة ، وقوله : ويمشي هونا نعت لمصدر محذوف ، أي مشيا هونا أو حال أي هينا ، في تؤدة وسكينة ، وحسن سمت ووقار [ ص: 155 ] وحلم ، لا يضرب بقدميه ، ولا يخفق بنعليه أشرا وبطرا ، من ثم قال ابن عباس في قوله تعالى : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا أي بالطاعة ، والعفاف ، والتواضع ، وقال الحسن : حلما إن جهل عليهم لم يجهلوا ، قال بعض المفسرين : وذهبت طائفة إلى أن هونا مرتبط بقوله : يمشون على الأرض أي إن المشي هو الهون ، ويشبه أن يتأول هذه على أن يكون أخلاق ذلك الماشي هونا مناسبة لمشيه فيرجع الأمر إلى نحو ما مر ، فالثناء عليهم ليس من حيث صفة المشي فقط ، إذ رب ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس .

وقال الزهري : سرعة المشي يذهب بهاء الوجه يريد الإسراع غير الخفيف ؛ لأنه يخل بالوقار ، والخير في الأمر الوسط وسرعة مشيه صلى الله عليه وسلم كما في قوله : ذريع المشية ، أي : واسع الخطوة ، كانت برفق وتثبت ، دون عجلة وهوج ، وإسراع عمر رضي الله عنه - جبلة لا تكلف ، والله أعلم ، ولله در البوصيري رحمه الله تعالى - حيث يقول في مدحه صلى الله عليه وسلم :


سيد ضحكه التبسم والمشـ ـي الهوينا ونومه الإغفاء




الخدمات العلمية