الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في قصه صلى الله عليه وسلم شاربه ، وظفره ، وكذا أخذه من لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم إن صح الخبر ، وسيرته في شعر رأسه

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص ، أو يأخذ شاربه ، ويقول : «إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند ضعيف عن أم عياش رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه - أيضا بسند ضعيف عن عبد الله بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحف شاربه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الشارب من أطرافه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن أبي جعفر مرسلا قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ أظفاره وشاربه يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا في الشعب عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الله قال : جاء مجوسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعفى شاربه ، وأعفى لحيته ، فقال : «من أمرك بهذا ؟ » قال : أبي ، قال : لكن أبي أمرني أن أحف شاربي وأعفي لحيتي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى وابن عدي واللفظ له عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته ، من طولها وعرضها بالسوية ، ورواه الترمذي دون قوله بالسوية وقال : غريب وسمعت محمدا يقوله .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو الحسن [بن] الضحاك عن أبي رمثة رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص أظفاره وشاربه يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 349 ] روى البزار والطبراني وابن قانع عن سهل بن مسرح الأشعري قال : رأيت أبي يقلم أظافره ، ويدفنها وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خمس من الفطرة الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي في شعب الإيمان - وصححه - من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ، وأول من رأى الشيب ، وأول من جز شاربه ، وأول من قلم أظافره وأول من استحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : وقت لنا في قص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط ألا نترك أكثر من أربعين يوما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، والترمذي في الشمائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان أهل الكتاب يسدلون .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله أن يسدلها ، ثم فرق بعد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحلاق يحلقه ، وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل .

                                                                                                                                                                                                                              قال رجل في زاد المعاد كان هديه صلى الله عليه وسلم تركه كله ، أو حلقه كله ، ولم يكن يحلق بعضه ، ولم يحفظ أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه إلا في نسك انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              فعلى هذا الخلاف فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الشريفة بعد الهجرة أربع مرات كما ذكره الحافظ أبو الخير السخاوي في فتاويه .

                                                                                                                                                                                                                              الأولى والثانية : في الحديبية ، وعمرة القضاء ، والمباشر لذلك منها خراش بن أمية بن ربيعة بن الفضل الخزاعي حليف بني مخزوم رضي الله تعالى عنه ، ذكر جماعة منهم أبو عمر [ ص: 350 ] ابن عبد البر ، والنووي : أن خراشا حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السكن عنه قال : إنما حلقت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة في عمرة القضاء .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة : في غزوة الجعرانة والمباشر لذلك - كما قال الحافظ أبو عبد الله الحاكم في الإكليل - أبو الهند الحجام مولى بني بياضة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة : في حجة الوداع والمباشر لذلك معمر بن عبد الله بن فضلة - بفتح النون ، وسكون الضاد المعجمة - ابن نافع بن عوف - بالفاء - ابن عبيد بن جريج بن عدي القرشي العدوي رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني عنه قال : لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه من منى أمرني أن أحلقه ، فأخذت الموسى فقمت إلى رأسه ، فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي وقال لي : «يا معمر أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنه وفي يدك الموسى » ، فقلت : أما والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعمة الله تعالى علي ومنه قال : «إذا ترى ذلك » ، ثم حلقت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : قوله : «إذا ترى ذلك » بتنوين إذا كما في بعض نسخ المسند ، ومعناه أنك ترى ثمرة معرفتك أن هذه من الإكرام والإنعام ، وفي بعضها مصححا عليه : «إذا أقرد لك » بتنوين إذا وفتح همزة أقرد ، وسكون القاف ، وكسر الراء ، وبالدال المهملة : مضارع أقرد أي سكن ، ولك جار ومجرور ، والمعنى على هذه النسخة أسكن لك حتى تحلقني ، والله تعالى أعلم أي ذلك قيل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه ، وكان أبو طلحة أول من أخذ شعره ، ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ، ثم جاء أبو طلحة فأعطاه إياه ، ثم ناوله الشق الأيسر ، فقال : «احلق » فحلقه فأعطاه أبا طلحة ، فقال : «اقسمه بين الناس » .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية