الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار ، ومن الصبي العاقل وعنه : لا يصح حتى يبلغ ، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون ، والنائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم - لم يقع طلاقه .

                                                                                                                          وإن زال بسبب لا يعذر فيه ، كالسكران ، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ، ففي صحة طلاقه روايتان .

                                                                                                                          وكذلك يخرج في قتله ، وقذفه ، وسرقته ، وزناه ، وظهاره ، وإيلائه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار ) بغير خلاف نعلمه; لأن المصحح لوقوع الطلاق موجود - وهو التكليف ، فظاهره : يقع من كتابي وسفيه ، نص عليهما ( ومن الصبي العاقل ) أي : إذا عقل [ ص: 251 ] الطلاق - في الاختيار الأكثر ، وذكره ابن هبيرة ظاهر المذهب; لقوله عليه السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق وقال علي : كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه . ذكره البخاري ، ورواه الترمذي والدارقطني مرفوعا بإسناد فيه ضعف ( وعنه : لا يصح حتى يبلغ ) نقلها أبو طالب ، وقدمها في " المحرر " ، وجزم بها الآدمي ، وابن أبي موسى ، وهو قول أكثر العلماء; لقوله عليه السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ولأنه غير مكلف فلا يقع طلاقه كالمجنون ، وعنه : لا يقع لدون عشر ، اختاره أبو بكر ، وعنه : اثنتي عشرة سنة ، وقاله إسحاق ، وعنه : لأبي صغير ومجنون فقط الطلاق ، نصره القاضي وأصحابه ، ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره - أومأ إليه ونصره في " الشرح " - كالبالغ ، وقال أبو بكر وحكاه عن أحمد : لا يصح أن يوكل حتى يبلغ ، وجوابه : بأنه على الرواية التي لا تجيز طلاقه .

                                                                                                                          فرع : تعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه ، فلا طلاق لفقيه يكرره ، وحاك عن نفسه ، حكاه ابن عقيل كغيره .

                                                                                                                          ( ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون ، والنائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم - لم يقع طلاقه ) إجماعا; لقوله عليه السلام : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق وعن أبي هريرة مرفوعا أنه قال : كل الطلاق جائز ، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله رواه النجاد ، قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان ، وهو ذاهب الحديث; ولأنه قول يزيل الملك ، فاعتبر له العقل كالبيع ، وسواء [ ص: 252 ] زال بجنون ، أو إغماء ، أو شرب دواء ، أو أكره على شرب الخمر ، أو شرب ما يزيل عقله ، أو لم يعلم أنه مزيل العقل ، لكن لو ذكر المغمى عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق - وقع - نص عليه ، قال المؤلف : هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية فأما المبرسم ومن به نشاف ، فلا يقع ، وفي " الروضة " : أن المبرسم والموسوس إن عقل الطلاق لزمه ، ويدخل في كلامهم : من غضب حتى أغمي أو غشي عليه . قال الشيخ تقي الدين : بلا ريب ، ويقع من غيره في ظاهر كلامهم; لأن أبا موسى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحمله ، فوجده غضبان ، وحلف : لا يحملهم ، وكفر . . . الحديث; ولأنه قول ابن عباس ; ولأنه من باطن كالمحبة الحاملة على الزنا ، وقال الشيخ تقي الدين : إن غيره ولم يزل عقله لم يقع; لأنه ألجأه وحمله عليه ، فأوقعه - وهو يكرهه - ليستريح منه ، فلم يبق له قصد صحيح ، فهو كالمكره; ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله ، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه ، وفي صحة حكمه الخلاف ، وإنما انعقدت يمينه; لأن ضررها يزول بالكفارة ، ولهذا إتلاف .

                                                                                                                          فرع : لو ادعى أنه طلق وهو زائل العقل ، ينبني على ما إذا أقر وهو مجنون ، هل يقبل ؛ وفيه ثلاثة أقوال ، ثالثها : يقبل إن كان ممن غلب وجوده منه .

                                                                                                                          ( وإن زال بسبب لا يعذر فيه ، كالسكران ، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ، ففي صحة طلاقه روايتان ) إحداهما : يقع ، قال ابن هبيرة : هي أظهرهما ، اختارها الخلال والقاضي والأكثر; لما تقدم من قوله : كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه . وقال معاوية : كل أحد طلق امرأته جائز إلا طلاق المجنون . رواه البيهقي بإسناد [ ص: 253 ] حسن ; ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف ، وقال علي بمحضر من عمر وغيره : نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون . رواه مالك بإسناد جيد; ولأنه مكلف ، فوقع طلاقه كالصاحي ، بدليل القتل والقطع في السرقة .

                                                                                                                          والثانية : لا يقع ، اختارها أبو بكر والمؤلف ، ورجحه في " الشرح " ، والشيخ تقي الدين ، وقال : المكره لم يأثم في الأصح ، ونقل الميموني : كنت أقول : يقع حتى تبينته ، فغلب علي أنه لا يقع ، ونقل أبو طالب : الذي لا يأمر بالطلاق أتى خصلة ، والذي يأمر به أتى خصلتين ، حرمها عليه ، وأحلها لغيره . وذكره البخاري ، عن عثمان وابن عباس ، وهو قول جمع ، قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا من الصحابة خالف عثمان ، وقال أحمد : حديث عثمان أرفع شيء فيه; ولأن العقل شرط للتكليف وكالمجنون ، وعنه : أنه توقف في الجواب ، ويقال : اختلف الصحابة فيه ، وذكر الشيخ تقي الدين : أن الخلاف فيمن يفهم وإلا لم يقع ، قال : وزعم طائفة من العلماء أن الخلاف إنما هو في النشوان الذي يفهم ويغلط ، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول فلا يقع منه - قولا واحدا ، والأئمة الكبار جعلوا النزاع في الكل ، وهو من يخلط في كلامه ، أو لم يعرف ثوبه أو هذى ، ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض; لأن ذلك كان لا يخفى إلا على المجنون ( وكذلك يخرج في قتله ، وقذفه ، وسرقته ، وزناه ، وظهاره ، وإيلائه ) وإقراره ، وإسلامه ، وكل قول أو فعل يعتبر له العقل; لأن المعنى في الجميع واحد ، وعنه : كالمجنون في أقواله ، وكالصاحي في أفعاله ، وعنه : في الحد كالصاحي ، وفي غيره كالمجنون ، وعنه : أنه فيما يستقل به كعتقه وقتله بالصاحي ، وفيما لا يستقل به كبيعه ونكاحه كالمجنون ، قال جماعة : [ ص: 254 ] ولا تصح عبادته ، وقال أحمد : تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب ; للخبر .

                                                                                                                          فرع : البنج ونحوه كجنون; لأنه لا لذة به ، نص عليه ، وذكر جماعة : يقع لتحريمه; ولهذا يعزر ، قال الشيخ تقي الدين : قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم ، وفي " الواضح " : إن تداوى ببنج فسكر لم يقع ، وهو ظاهر كلام جماعة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية