الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          الرابع : الشهادة ، فلا ينعقد إلا بشاهدين عدلين ذكرين بالغين عاقلين ، وإن كانا ضريرين ، وعنه : ينعقد بحضور فاسقين ، ورجل وامرأتين ، ومراهقين عاقلين ، ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين ، ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية ، ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين ، وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما ؛ على وجهين ، وعنه : أن الشهادة ليست من شروط النكاح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الرابع : الشهادة ) وهي من الشروط لصحته ، نص عليه ، واختاره الأصحاب ، وقاله عمر ، وعلي ، وابن عباس ; لما روت عائشة مرفوعا ، قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل رواه ابن حبان وصححه ، وفي بعض طرقه [ ص: 47 ] أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها وشاهدي عدل ، فنكاحها باطل ذكره الدارقطني عن يونس ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عنها مرفوعا ، وعن ابن عباس قال : البغايا اللائي ينكحن أنفسهن بغير بينة . رواه الترمذي وقال : لم يرفعه إلا عبد الأعلى ووقفه هو وغيره ، قال : والوقف أصح ، وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا بد في النكاح من أربعة : الولي ، والزوج ، والشاهدان رواه الدارقطني ، والمعنى فيه : الاحتياط للأبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود ، ( فلا ينعقد إلا بشاهدين ) دون غيره من العقود ; لما فيه من تعلق حق غير المتعاقدين - وهو الولد - لئلا يجحده أبوه ، فيضيع نسبه ، ( عدلين ) ; للأخبار ، والأشهر أنه يكفي مستور الحال ، وإن لم يقبله في الأموال ; لتعذر البحث عن عدالة الشهود في الباطن غالبا ; لوقوع النكاح في البوادي وبين عوام الناس .

                                                                                                                          والثاني : أنه لا بد من العدالة الباطنة كغيره ، وهو احتمال للقاضي في " التعليق " بعد أن أقر أنه لا تعرف الرواية عن الأصحاب في ذلك ، ( ذكرين ) ; لقول الزهري : مضت السنة : لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا النكاح والطلاق ، رواه أبو عبيد في " الأموال " ; ولأنه عقد ليس بمال ، ولا يقصد به ، ويطلع عليه الرجال غالبا ، فلم ينعقد بهن كالحدود . ( بالغين ) على المذهب ; لأن الصبي لا شهادة له . ( عاقلين ) ; لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة ، ( وإن كانا ضريرين ) ; لأنها شهادة على قول ، فصحت من الأعمى كشهادة الاستفاضة ، ويعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيه ، وظاهره أنه لا يشترط فيه الحرية وهو كذلك ، والمراد : حضورهما سواء حضرا قصدا أو اتفاقا ، فلو حضرا وسمعا الإجابة والقبول ، صح ، وإن [ ص: 48 ] لم يسمعا الصداق . ( وعنه : ينعقد بحضور فاسقين ) ; لأنه تحمل ، فلم تعتبر فيه العدالة كسائر التحملات ، والأول أصح ; لأن من لا يثبت النكاح بقوله لا ينعقد بشهادته كالصبي ، فلو بانا بعد العقد أنهما فاسقان ، فالعقد صحيح - ذكره المؤلف - ; لاشتراط العدالة ظاهرا فقط ، وقيل : لا ; لعدم شرطه ( ورجل وامرأتين ) ; لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ( ومراهقين عاقلين ) بناء على أنهما من أهل الشهادة ; ولأنه يصح تحمله ، فصحت شهادته كالبيع .

                                                                                                                          ( ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين ) ; لقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم [ البقرة : 282 ] ; ولعموم قوله عليه السلام : وشاهدي عدل ; ولأنه نكاح مسلم ، فلم ينعقد بشهادة ذميين ، كنكاح المسلمين ، ولا فرق بين أن يكون الزوجان مسلمين أو الزوج وحده ، نص عليه ، وهو قول الأكثر ( ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية ) بناء على الرواية بقبول شهادة بعضهم على بعض ، ( ولا ينعقد بحضور أصمين ) ; لأنه لا يسمع العقد ليشهد به ( ولا أخرسين ) ; لأن النطق شرط ، وهو لا يتمكن من أداء الشهادة ، فوجوده كعدمه ( وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما ؛ ) أو الولي ، أو متهم لرحم من أحدهم ( على وجهين ) أحدهما : ينعقد ; لأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج ، فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول .

                                                                                                                          والثاني : لا ؛ لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه ، وكذا الابن ، وكذا الخلاف في أهل الصنائع الرذيلة ، كالحجام ونحوه ( وعنه : أن الشهادة ليست من شروط النكاح ) بل تسن فيه كعقد غيره ، فيصح بدونها ، وهو قول ابن عمر [ ص: 49 ] وابن الزبير ، والحسن بن علي ; لأنه عليه السلام تزوج بغير مهر ولا شهود ، قال ابن المنذر : لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر ، وكذا قاله أحمد في رواية المروذي ، ولأنه عقد معاوضة كالبيع ، ويجاب عنه بأن ذلك من خصائصه ، وقضية الموهوبة نفسها قضية في عين ، والأحاديث يتقوى بعضها ببعض ، والجمهور قد أطلقوا هذه الرواية ، وقيدها المجد وجماعة بما إذا لم يكتموه ، وإلا لم يصح ، وذكره بعضهم إجماعا ، وعلى الأول لا يبطله التواصي بكتمانه ، وعنه : بلى ، اختاره أبو بكر .

                                                                                                                          مسألة : قال ابن أبي موسى : لا يختلف قول أحمد : إن المرأة إذا زوجت نفسها بغير شهود أن النكاح باطل ، قال : واختلف قوله : هل لها أن تتزوج بغير هذا الزوج قبل أن يطلقها ، أو يفرق بينهما حاكم ؛ فيه روايتان ، قال : ولم يختلف قوله : إنه إذا مات أحدهما لم يرثه الآخر ، قال : فإن زوجت نفسها بحضرة شهود فلا يختلف قوله : إنها لا تتزوج بغيره إلا أن يطلقها ، أو يفرق بينهما حاكم - مع قوله : إن النكاح فاسد ، قال السامري : كل ذلك يتخرج على الاختلاف في الشهادة هل هي شرط أم لا ؛ .




                                                                                                                          الخدمات العلمية