الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  63 باب القراءة والعرض على المحدث

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في بيان حكم القراءة والعرض على المحدث .

                                                                                                                                                                                  قوله " على المحدث " يتعلق بالقراءة والعرض كليهما ، فهو من باب تنازع العاملين على معمول واحد .

                                                                                                                                                                                  وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول هو قراءة الشيخ والمذكور في هذا الباب هو القراءة على الشيخ والسماع عليه ، وهذه مناسبة قوية . وقال الشيخ قطب الدين : لما ذكر البخاري في الباب الأول قراءة الشيخ وهو قوله " باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا " عقب بهذا الباب فذكر القراءة على الشيخ والسماع عليه ، فقال " باب القراءة والعرض على المحدث " ، وكان من حقه أن يقدم هذا الباب على باب قول المحدث حدثنا وأنبأنا ; لأن قول المحدث حدثنا وأنبأنا فرع عن تحمله هل كان بالقراءة أو بالعرض . أو يقول باب قراءة الشيخ ، ثم يقول باب القراءة على المحدث .

                                                                                                                                                                                  قلت : كلامه مشعر ببيان المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبل الباب السابق على هذا الباب ، وهو باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا ، وحق المناسبة هو الذي يكون بين البابين المتواليين كما ذكرناه الآن . وقوله " وكان من حقه ... " إلخ - ليس كذلك ، بل الذي رتبه هو الحق ; لأنا قد قلنا : إن المذكور في الباب السابق هو قراءة الشيخ ، وفي هذا الباب القراءة على الشيخ ، وقراءة الشيخ أقوى ، والأقوى يستحق التقديم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما مقصود البخاري من وضع هذا الباب المترجم بالترجمة المذكورة ؟ قلت : أراد به الرد على طائفة لا يعتدون إلا بما يسمع من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ له عليهم ، ولهذا قال عقيب الباب : ورأى الحسن والثوري ومالك القراءة جائزة ... إلخ .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما الفرق بين مفهومي القراءة والعرض ؟ قلت : المفهوم من كلام الكرماني أن بينهما مساواة ; لأنه قال : المراد بالعرض هو عرض القراءة بقرينة ما يذكر بعد الترجمة ، ثم قال : فإن قلت : فعلى هذا التقدير لا يصح عطف العرض على القراءة لأنه نفسها - قلت : العرض تفسير القراءة ، ومثله يسمى بالعطف التفسيري . وقال بعضهم : إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص ; لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض ومن غيره ، ولا يقع العرض إلا بالقراءة ; لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته ، فهو أخص من القراءة .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا كلام مخبط ; لأنه تارة جعل القراءة أعم من العرض وتارة جعلها مساوية له ، لأن قوله " لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض ومن غيره " مشعر بأن بين القراءة والعرض عموما وخصوصا مطلقا لاستلزام صدق أحدهما صدق الآخر كالإنسان والحيوان ، وقوله " ولا يقع العرض إلا بالقراءة " مشعر بأن بينهما مساواة ; لأنهما متلازمان في الصدق كالإنسان والناطق . والتحقيق في هذا الموضع أن العرض بالمعنى الأخص مساو للقراءة ، وبالمعنى الأعم يكون بينهما عموم وخصوص مطلق لاستلزام صدق أحدهما صدق الآخر ، والمستلزم أخص مطلقا واللازم أعم ; فالقراءة بمنزلة الإنسان والعرض [ ص: 17 ] بمنزلة الحيوان ، وإنما قلنا : إن العرض له معنيان - لأنه لا يخلو إما أن يكون بقراءة أو لا ; فالأول يسمى عرض قراءة ، والثاني عرض مناولة ، وهو أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب فيعرضه عليه فيتأمل الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له : وقفت على ما فيه ، وهو حديثي عن فلان ، فأجزت لك روايته عني - ونحوه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية