الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 3 ] ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله عز وجل : ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما بين التوحيد ودلائله ، وما للموحدين من الثواب وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أندادا ، ويتبع رؤساء الكفر ، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم وأن معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم ، فقال : ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال ابن عباس : نزلت الآية في الذين حرموا على أنفسهم السوائب والوصائل والبحائر ، وهم قوم من ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الحلال المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه ، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد ، ومنه : حل بالمكان إذا نزل به ؛ لأنه حل شد الارتحال للنزول ، وحل الدين إذا وجب لانحلال العقدة بانقضاء المدة ، وحل من إحرامه ؛ لأنه حل عقدة الإحرام ، وحلت عليه العقوبة أي وجبت ؛ لانحلال العقدة بالمانعة من العذاب ، والحلة الإزار والرداء ؛ لأنه يحل عن الطي للبس ، ومن هذا تحلة اليمين ؛ لأنه عقدة اليمين تنحل به ، واعلم أن الحرام قد يكون حراما لخبثه كالميتة والدم والخمر ، وقد يكون حراما لا لخبثه ، كملك الغير إذا لم يأذن في أكله ، فالحلال هو الخالي عن القيدين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله ( حلالا طيبا ) إن شئت نصبته على الحال مما في الأرض وإن شئت نصبته على أنه مفعول .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الطيب في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر والحلال يوصف بأنه طيب ؛ لأن الحرام يوصف بأنه خبيث قال تعالى : ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) [ المائدة : 100 ] والطيب في الأصل هو ما يستلذ به ويستطاب ، ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه ؛ لأن النجس تكرهه النفس فلا تستلذه [ ص: 4 ] والحرام غير مستلذ ؛ لأن الشرع يزجر عنه ، وفي المراد بالطيب في الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه المستلذ ؛ لأنا لو حملناه على الحلال لزم التكرار فعلى هذا إنما يكون طيبا إذا كان من جنس ما يشتهى ؛ لأنه إن تناول ما لا شهوة له فيه عاد حراما وإن كان يبعد أن يقع ذلك من العاقل إلا عند شبهة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : المراد منه المباح ، وقوله يلزم التكرار قلنا : لا نسلم ، فإن قوله : ( حلالا ) المراد منه ما يكون جنسه حلالا ، وقوله ( طيبا ) المراد منه لا يكون متعلقا به حق الغير ، فإن أكل الحرام وإن استطابة الآكل فمن حيث يفضي إلى العقاب يصير مضرة ولا يكون مستطابا ، كما قال تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية