الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : القول في عدد الركعات

                                                                                                                                            مسألة : قال المزني : " قلت أنا في كتاب اختلافه ومالك : قلت للشافعي : يجوز أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء ؟ قال : نعم ، والذي أختاره ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، والحجة في الوتر بواحدة السنة والآثار . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، وأن ابن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته ، وأن عثمان كان يحيي الليل بركعة هي وتره ، وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان يوتر بواحدة ، وأن معاوية أوتر بواحدة ، فقال ابن عباس أصاب ، ( قال المزني ) : قلت أنا : فهذا به أولى من قوله يوتر بثلاث ، وقد أنكر على مالك قوله : لا يحب أن يوتر بأقل من ثلاث ، ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر . واحتج بأن من سلم من اثنتين فقد فصلهما مما بعدهما ، وأنكر على الكوفي أن يوتر بثلاث كالمغرب ، فالوتر بواحدة أولى به . ( قال المزني ) : ولا أعلم الشافعي ذكر موضع القنوت من الوتر ويشبه قوله بعد الركوع كما قال في قنوت الصبح ، ولما كان من رفع رأسه بعد الركوع يقول : " سمع الله لمن حمده " . وهو دعاء كان هذا الموضع بالقنوت الذي هو دعاء أشبه ، ولأن من قال : يقنت قبل الركوع يأمره أن يكبر قائما ثم يدعو ، وإنما حكم من كبر بعد القيام إنما هو للركوع فهذه تكبيرة زائدة في الصلاة لم تثبت بأصل ولا قياس " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            أقل الوتر عندنا ركعة واحدة وأكثره أحد عشر ركعة ، فإن أوتر بركعة ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع ، أو إحدى عشرة موصولة بتسليمة أجزأه ، أو مفصولة بتسليمتين جاز ، وأفضل ذلك إحدى عشرة ركعة مفصولة بتسليمتين ، يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بالأخيرة ، وهو مذهب أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وكثير من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يحصى عددهم .

                                                                                                                                            وقال مالك : أقل الوتر ثلاثة لكن بتسليمتين .

                                                                                                                                            [ ص: 294 ] وقال أبو حنيفة : الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها ، وبه قال علي ، وابن مسعود ، وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، تعلقا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المغرب وتر النهار فصلوا وتر الليل فأمر أن يكون الوتر على صفة صلاة المغرب ، وبما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة البتراء ركعة واحدة : وبما روي عن ابن مسعود ، وربما وصلوه برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أجزأت ركعة قط " . قالوا : ولأن كل قدر لا يصح أن يكون وترا قياسا على بعض ركعة .

                                                                                                                                            والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عمر أنه كان يوتر بركعة واحدة ويقول هذا وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما .

                                                                                                                                            وروى عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الوتر حق على كل مسلم ، وليس بواجب من أحب أن يوتر بثلاث فليوتر ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر فكان في هذا الحديث دلالة على ثلاثة أشياء على أن الوتر سنة ، وعلى أن الركعة تجزئ وأن الزيادة على الثلاث سائغ .

                                                                                                                                            وروي عن الزهري ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بواحدة .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله سبحانه وتر يحب الوتر فدل ما رويناه قولا ، وفعلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، رضي الله عنهم ، على ما ذكرناه ، ولأن كل عدد كان صلاة جاز أن يكون شطره صلاة كالأربع ، ولأن أقل نوعي العدد فجاز أن يكون صلاة ، كالشفع الذي أقله ركعتان ، ولأن ما جاز أن يفعل بين التشهدين جاز أن يكون صلاة كالركعتين .

                                                                                                                                            فما تعلقهم بما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المغرب وتر النهار فصلوا وتر الليل فحديث مجهول لا يعرفه أحد من الرواة ، وأصحاب الحديث ، فإن سلم لهم جاز أن يكون معناه اشتراكهما في الأفراد دون الأزواج ، لأنه أراد بذلك تساويهما في العدد ، لأنه لما كان افتراقهما في غير العدد إذا صح التشريك بينهما ، والوجه الذي ذكرناه على أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارضه أنه قال : لا توتروا بثلاثة ، ولا تشبهوا بالمغرب وأوتروا بخمس ، أو تسع وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة البتراء ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ما أجزأت ركعة قط " فمحمول على الفرض بدليل ما رويناه من فعله ، وقوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            [ ص: 295 ] فأما قياسهم على بعض الركعة ، فالوصف به غير مسلم لهم ، لأن الركعة قد تكون فرضا إذا نذرها على أن المعنى في بعض الركعة أن اسم الصلاة لا ينطلق عليها ، ولا يصح أن يكون قربة بانفراده ، فلذلك لم يجز .

                                                                                                                                            فأما قول مالك إن أقله ثلاث بسلامين فلا وجه له ، لأنا لا نجد في الشرع صلاة لا يكون السلام فيها قطعا ، فإن كان مالك يعني بقوله إنها ثلاث لا يجزئ أقل منها ، فينبغي أن تكون موصولة كقول أبي حنيفة ، وإن زعم أن الوتر هي المفردة فهو كقولنا ، ثم الذي يدل على ما قلناه اتفاق الجميع على أن الثلاث ركعات يجهر فيها كلها بالقراءة ، فلو كان حكمها حكم الصلاة الواحدة لكان من حكمها أن ليس في الثلاثة كسائر الصلوات فيما بعد الركعتين ، وكالمغرب ، فبان بهذا أن الركعة المفردة لها حكم نفسها لا تفتقر إلى ما تقدمها ، وإن وصل ذلك بها لم يقدح في صحتها ، فإن قيل : فإذا كان الوتر عندكم ركعة فلم لا كانت الزيادة تبطلها كسائر الصلوات ، قيل : لظهور الخلاف فيها ، وورود السنة بالزيادة عليها .

                                                                                                                                            وروي عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يوتر منهن بخمس لا يجلس إلا في الخامسة .

                                                                                                                                            فأما المزني ، فإنه لما نظر إلى الشافعي قد قال في مواضع يوتر بثلاث ، وحكي عن أهل المدينة أنهم يوترون بثلاث ظن أن هذا قول له ثان ، وليس الأمر كما ظنه بل لا يختلف مذهب الشافعي أن الوتر واحدة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية