الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أكثر لهم من إقامة الأدلة على وحدانيته ، وختمها بهذا الدليل المحسوس الذي معناه أن [كل شريك وكل ابن يدرك شريكه وأباه ، وهو متناه عن أن يدركه ، أي : يحيط به] أحد ، ناسب أن يعظهم ويمدح الأدلة حثا على تدبرها ، وجعل ذلك على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى أنه - لنور قلبه وكمال عقله وصفاء لبه وغزارة علمه وشريف أخلاقه واستقامة غرائزه وبعد مدى همته عن أن ينسب إلى جور أو يرمى بعناد - حقيق بأن يقول بعد إقامتها من غير تلعثم تقريرا لأمر دعوته بعد تقرير المطالب العالية الإلهية : قد جاءكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت الآيات - لقوتها وجلالتها التي أشار إليها تذكير الفعل - توجب المعرفة فتكون سببا لانكشاف الحقائق الذي هو كالنور في جلاء المحسوسات ، قال : بصائر أي : أنوار هي لقلوبكم بمنزلة الضياء المحسوس لعيونكم من ربكم أي : المحسن إليكم بكل إحسان ، فلا إحسان أصلا لغيره عندكم ، فاصعدوا عن النظر بالأبصار إلى الاعتبار [ ص: 223 ] بالبصائر ، ولا تهبطوا في حضيض التقليد إلى أن تصلوا إلى حد لا تفهمون معه إلا ما يحس بالأبصار بل ترقوا في أوج المعرفة إلى سماوات الاجتهاد وجردوا لقطاع الطريق صوارم البصائر ، فإنكم إن رضيتم بالدون لم تضروا إلا أنفسكم ، وإن نافستم في المعالي فإياها نفعتم . ولذلك سبب عن هذا النور الباهر والسر الظاهر قوله : فمن أبصر أي : عمل بالأدلة فلنفسه أي : خاصة إبصاره لأنه خلصها من الضلال المؤدي إلى الهلاك ومن عمي أي : لم يهتد بالأدلة فعليها أي : خاصة عماه لأنه يضل فيعطب .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المعنى أنه ليس لي ولا لغيري من إبصاره شيء ينقصه شيئا ، ولا علي ولا غيري شيء من عماه ، كان التقدير : فإنما أنا بشير ونذير ، عطف عليه قوله وما أنا وأشار إلى أن حق الآدمي التواضع وإسلام الجبروت والقهر لله بأداة الاستعلاء ، فقال : عليكم وأغرق في النفي بقوله : بحفيظ أي : أقودكم قسرا إلى ما ينجيكم ، وأمنعكم قهرا مما يرديكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية