الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 229 ] ولما نصب - سبحانه - هذه الدلالات في هذه الآيات البينات حتى ختمها بما علم منهم من الإسراع إلى سب من أحسن إليهم بأن أوجدهم وأوجد لهم كل ما في الكون ، وما من نعمة عليهم إلا وهي منه ، عجب منهم في الوعد بالإيمان على وجه التأكيد بما يأتيهم من مقترحاتهم إعلاما بأن ذلك مما زين لهم من عملهم ، وهي أمنية كاذبة ويمين حانثة فقال عاطفا على وجعلوا لله شركاء الجن وأقسموا أي : المشركون بالله أي : الذي لا أعظم منه جهد أيمانهم أي : باذلين فيها جهدهم حتى كأنها هي جاهدة ، ووطأ للقسم فقال : لئن جاءتهم آية أي : من مقترحاتهم ، وتلقى القسم بقوله : ليؤمنن بها

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا بهذا ظالمين من أجل أنهم طلبوا من الرسول ما ليس إليه بعد إتيانه من المعجزات بما أزال معاذيرهم ، وأوجب عليهم الاتباع - نبه على ذلك بقوله مستأنفا : قل أي : ردا لتعنتهم إنما الآيات أي : هذا الجنس عند الله أي : الحائز لجميع صفات الكمال ، وليس إلي ولا إلى غيري شيء من هذا الجنس ليفيد الاقتراح شيئا غير إغضابه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان العبد لعجزه لا قدرة له على شيء أصلا ، فلا يصح له أن يحكم على آت أصلا لا من أفعاله ولا من أفعال غيره ، قال منكرا عليهم ملتفتا إلى خطابهم إشارة إلى أنهم حقيقون بالمواجهة بالتبكيت : وما أي : وأي شيء يشعركم أي : أدنى شعور بما [ ص: 230 ] أقسمتم عليه من الإيمان عند مجيئها حتى يتوهموه أدنى توهم فضلا عن الظن فكيف بالجزم ولا سيما على هذا الوجه! ثم علل الاستفهام بقوله مبينا أنه لا فائدة في الإتيان بالآية المقترحة : أنها بالفتح في قراءة نافع وابن عامر وشعبة في رواية عنه وحفص وحمزة والكسائي ، فكان كأنه قيل : أنكرت عليكم لأنها إذا جاءت لا يؤمنون بالخطاب في قراءة ابن عامر وحمزة ، والالتفات إلى الغيبة في قراءة غيرهم للإعلام بأنهم بعيدون من الإيمان فهم أهل للإعراض عنهم لما استحقوا من الغضب ، والتعليل عند من كسر ( أنها ) واضح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية