الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 256 ] ولما قرر هذا ، أتبعه بمقالة لهم تدل على تعظيمهم وتكبرهم فقال عاطفا على وأقسموا بالله جهد أيمانهم تعجيبا من حالهم فيما زين لهم من ضلالهم ، وتصديقا لما تقدم من الإخبار بأنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية إلا أن يشاء الله; وتحقيقا لما في الآية السالفة من مكرهم لغيرهم وعوده على أنفسهم : وإذا جاءتهم أي : الكافرين من أكابر المجرمين وأتباعهم آية قالوا حسدا لمن خصه الله بالنبوة لكونهم أكابر مؤكدين للنفي [لما لمعجزات الأنبياء - عليهم السلام - من العبر الموجب لظن الإذعان لأعتى أهل الكفران] لن نؤمن أي : أبدا حتى نؤتى لما لنا من العلو والعظمة المقتضية لأن لا يختص أحد عنا بشيء مثل ما

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان نظرهم مقصورا على عالم الحس من غير نظر إلى جانب الله لكونه غيبا بنوا للمفعول قولهم : أوتي رسل الله يجوز أن يكون المراد : حتى يوحى إلينا لئلا يكونوا أعظم منا - كما قال تعالى - : بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة وكما تقدم في أول السورة عن أبي جهل أنه قال : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، [ ص: 257 ] ويحك! متى ندرك هذا ؟ والله لا نؤمن به أبدا . وأن يكون المراد إتيانه - صلى الله عليه وسلم - بمثل آيات الأولين من شق البحر واليد والعصا وإحياء الموتى ونحوها ، [وسموهم تنزلا واستهزاء ، وعبروا بالجلالة إشارة إلى القدرة التامة فلا عذر] .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر اسم الجلالة إيذانا بعظيم ما اجترؤوا عليه لعماهم - بما طمس على أنوار قلوبهم من ظلمات الهوى - عما للرسل من الجلال الذي يخضع له شوامخ الأنوف - أعادها أيضا تهويلا للأمر وتنبيها على ما هناك من عظيم القدر ، فقال ردا عليهم فيما تضمن قولهم من دعوى التعلم بالحكمة والاعتراض على الله - عز وجل - : الله أي : بما له من صفات الكمال أعلم أي : من كل من يمكن منه علم حيث يجعل أي : يصير بما يسبب من الأمور رسالته أي : كلها بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الخلق فهو لا يضع شيئا منها بالتشهي .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كشف هذا النظم عن أنهم اجترؤوا عليه ، وأنهم أصروا على أقبح المعاصي الكفر ، لا لطلب الدليل بل لداء الحسد - تاقت النفس إلى معرفة ما يحل بهم ، فقال جوابا : سيصيب أي : بوعد لا خلف فيه ، [ ص: 258 ] وأظهر موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف فقال : الذين أجرموا أي : قطعوا ما ينبغي أن يوصل صغار أي : رضى بالذل لعدم الناصر; ولما كان الشيء تعظم بعظمة محله ومن كان منه ذلك الشيء قال : عند الله أي : الجامع لصفات العظمة وعذاب أي : مع الصغار شديد أي : في الدنيا بالقتل والخزي وفي الآخرة بالنار بما أي : بسبب ما كانوا يمكرون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية