الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
28 - حدثنا جعفر قال حدثنا هدبة بن خالد القيسي، إملاء علينا في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، قال: حدثنا مبارك بن [ ص: 62 ] فضالة، قال: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، قال: حدثنا عبد الله بن رباح، قال: حدثني أبو قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير والحر شديد، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيروا فانزلوا الماء غدا فمن لم ينزل الماء غدا عطش" ، فسار الناس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسار أبو بكر، وعمر رضوان الله عليهما وعطش الناس، قال: وكنت فيمن تخلف مع رسول الله، فسرنا يومنا وليلتنا، قال: وكان رسول الله ينعس على راحلته من الليل فيميل، فإذا خشيت أن يقع دنوت منه فنبهته، ثم أسير معه فينعس فيميل، فإذا خشيت أن يقع دنوت منه فنبهته، قال: فقال لي كلمة ما يسرني بها حمر النعم، فقال: "حفظك الله بما حفظت به رسوله" حتى إذا كان عند السحر عرس، وقال: "لعلنا أن نهجع هجعة" قال: فاستمكنا من الأرض، وقد سرنا يومنا وليلتنا، قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس من الغد في ظهورنا، فقمنا فزعين ولم نصل. قال: ففزعنا ولا عهد لنا بمثل ذلك قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعجل مسحا فقضى [ ص: 63 ] حاجته، ودعا بميضأة فتوضأ منها، ثم دفع الميضأة وما فيها إلي، فقال: "يا أبا قتادة ازدخر بهذه الميضأة فإن لها نبأ" قال: "فجعلتها بيني وبين واسطة رحلي" ، قال: وفينا بلال، فأذن بلال رحمة الله عليه، وقام رسول الله فصلى ركعتين كما كان يصلي قبل الفجر، ثم أقام بلال فصلى رسول الله صلاة حسنة لا يعجل فيها، فقال: "لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة" ، ثم قال: "ظنوا بالناس" قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الناس أصبحوا اليوم ليس فيهم ثلثهم، وفيهم أبو بكر وعمر، فقال عظم الناس: سيروا إلى الماء ورسول الله قد نزل الماء وقد عهد إليكم أنه من لم ينزل الماء غدا عطش، قال: فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: لا والله ما كان رسول الله ليعجل إلى الري قبل أصحابه، إن رسول الله لبعدكم فانتظروا، وقال رسول الله: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا" ، قال: فسرنا حتى حميت الشمس، فإذا الناس قد أطاعوا أبا بكر وعمر فنزلوا على [ ص: 64 ] غير ماء فعطشوا: فلما بصروا بنا أقبلوا، فقالوا: يا رسول الله هلكنا بالعطش، فقال رسول الله: "لا هلك عليكم إن شاء الله، لا هلك عليكم إن شاء الله" فوالله ما عدا أن سمعناها فاشتدت ظهورنا، فقال: "يا أبا قتادة" قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "هات الميضأة" ، قال: فجئت بها تخضخض قال: قلت في نفسي: وما هذه الميضأة عما ترى وما فيها ري رجل قال: فأتيته بها، فقال: "هات غمري" ، فأتيته بقدح له، قال: فجئته به، فقال: "اصبب بسم الله" قال: فتكفأ الناس عليه لا يرى كل إنسان إلا إنما هي شربة لمن سبق، فلما رأى رسول الله قال: "أحسنوا ملأكم كلكم سيروى إن شاء الله" قال: فجعلت أصب ونسقي، وأصب وأسقي وأرى الميضأة ما أصب فيها شيئا إلا فيها أكثر منه أراها تربوا حتى والله ما بقي من الجند أحد إلا قد صدر عنها ريان، وإن رسول الله ليغرف ويمسح عن وجهه العرق، وما يشرب حتى بقيت أنا وهو قال: "اصبب بسم الله" ، فصببت فناولني، فقال: "اشرب" ، فقلت: يا رسول الله اشرب أنت، ثم أشرب أنا، قال: "ساقي القوم آخرهم" [ ص: 65 ] قال: فشربت، ثم شرب وهي كما هي.

التالي السابق


الخدمات العلمية