الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي ) حلفه ( لا يكلم عبده ) أي عبد فلان ( أو عرسه أو صديقه أو لا يدخل داره ) أو لا يلبس ثوبه أو لا يأكل طعامه أو لا يركب دابته ( إن زالت إضافته ) ببيع أو طلاق أو عداوة ( وكلمه لم يحنث في العبد ) [ ص: 798 ] ونحوه مما يملك كالدار ( أشار إليه ) بهذا ( أولا ) على المذهب لأن العبد ساقط الاعتبار عند الأحرار فكان كالثوب والدار ( وفي غيره ) أي في تكليم غير العبد من العرس والصديق لا الدار لأنها لا تكلم فتكون الدار مسكوتا عنها للعلم بأنها كالعبد بالطريق الأولى فتنبه .

( إن أشار ) بهذا أو عين ( حنث ) لأن الحر يهجر لذاته ( وإلا ) يشر ولم يعين ( لا ) يحنث ( وحنث بالتجدد ) بأن اشترى عبدا أو تزوج بعد اليمين

.

التالي السابق


مطلب حلف لا يكلم عبد فلان أو عرسه ثم زالت الإضافة ببيع أو طلاق

( قوله لا يكلم عبده ) هذه الإضافة إضافة ملك ، وقوله أو عرسه أو صديقه إضافة نسبة وهذا في إضافة المفرد وأما إضافة الجمع فالظاهر أنها كذلك من حيث زوال الإضافة والتجدد ، نعم يفرق في إضافة الجمع بين إضافة الملك والنسبة من حيث إنه لا يحنث إلا بالكل في النسبة وبأدنى الجمع في الملك كما سيذكره المصنف ( قوله إن زالت إضافته ) أي ولو إلى الحالف كما في لا آكل هذا فأهداه له فأكل لم يحنث في قياس قولهما وعند محمد يحنث وكذلك في بقية المسائل بحر عن الذخيرة ( قوله ببيع ) أي أو هبة أو صدقة أو إرث أو غير ذلك رملي وهذا راجع للعبد والدار وما بعدهما ( قوله أو طلاق ) راجع للعرس ، وقوله أو عداوة راجع للصديق ( قوله ونحوه مما يملك كالدار ) [ ص: 798 ] هذا التعميم لا يناسب حله الآتي حيث جعل الدار مسكوتا عنها لكونها لا تكلم وجعل القهستاني قوله وكلمه من عموم المجاز أي وفعل الحالف واحدا من هذه الأفعال بأن كلم العبد أو دخل الدار المعين أو غيره ا هـ ولو فعل الشارح كذلك لصح تعميمه هنا واستغنى عما يأتي .

[ تنبيه ]

استثنى في البحر مسألة يحنث فيها وإن زالت الإضافة وهي ما لو حلف لا يأكل من طعام فلان وفلان بائع الطعام فاشترى منه وأكل حنث . قال : وعلله في الواقعات بأن يراد به طعامه باسم ما كان مجازا بحكم دلالة الحال وكذا لا ألبس من ثياب فلان . ا هـ .

قلت : ووجهه أنه إذا كان بائعا يراد به ما يشترى منه أو ما يصنعه فلا تتقيد اليمين بحال قيام الإضافة لأن إضافة الملك غير مقصودة ( قوله أشار إليه بهذا أولا ) أما إذا لم يشر إليه فلأنه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان فيحنث ما دامت الإضافة باقية وإن كانت متجددة بعد اليمين ولا يحنث بعد زوالها لعدم شرط الحنث . وأما إذا أشار إليه فلأن اليمين عقدت على عين مضافة إلى فلان إضافة ملك فلا تبقى اليمين بعد زوال الملك كما إذا لم يعين وهذا لأن هذه الأعيان لا يقصد هجرانها لذواتها بل لمعنى في ملاكها واليمين تتقيد بمقصود الحالف ولهذا تتقيد بالصفة الحاملة على اليمين ، وإن كانت في الحاضر على ما بينا من قبل وهذه صفة حاملة على اليمين فتتقيد بها فصار كأنه قال ما دام ملكا لفلان نظرا إلى مقصوده كذا في التبيين ، ولم يذكر المصنف حنثه بالمتجدد والحكم أنه إن لم يشر حنث بالتجدد وإن أشار لا يحنث كما في الكنز ح ( قوله على المذهب ) مقابله رواية ابن سماعة أن العبد كالصديق لا كالدار بحر ، وعند محمد يحنث في الدار والعبد عند الإشارة وبه قال زفر والأئمة الثلاثة كما في الدر المنتقى .

( قوله لأن العبد ساقط الاعتبار ) هذا وجه ظاهر المذهب ولذا يباع كالحمار ، فظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه ( قوله بالطريق الأولى ) لأن العبد عاقل يمكن أن يعادي لذاته ومع هذا قيل إنه ساقط الاعتبار فالدار بالأولى ( قوله فتنبه ) أي لكون هذا مراد المصنف ( قوله إن أشار بهذا ) أي بأن قال لا أكلم صديق فلان هذا أو زوجه هذه ( قوله أو عين ) مثل لا أكلم عبدك زيدا ( قوله حنث ) أي بفعل المحلوف عليه بعد زوال الإضافة كما هو موضوع المسألة ولا يحنث بالمتجدد كما في الكنز ( قوله لأن الحر يهجر لذاته ) أي فكانت الإضافة للتعريف المحض ، والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر ، لأنه لم يقل لا أكلم صديق فلان لأن فلانا عدو لي زيلعي . أفاد أن هذا عند عدم قرينة تدل على أن الداعي لمعنى في المضاف إليه ، فلو وجدت لا يحنث بعد زوال الإضافة ومثلها النية ، ولذا قال في البحر : إن ما في المختصر أي الكنز إنما هو عند عدم النية ، وأما إذا نوى فهو على ما نوى لأنه محتمل كلامه ( قوله وإلا يشر ولم يعين لا يحنث ) إلا في رواية عن محمد والمعتمد الأول شرح الملتقى ( قوله بأن اشترى عبدا أو تزوج بعد اليمين ) لما كان المتبادر من كلام المصنف أن قوله وحنث بالمتجدد مرتبط بقوله وإلا لا الواقع في مسألة غير العبد مثل بمثالين : أحدهما في العبد ، والآخر في غيره إشارة إلى أن قوله وحنث بالتجدد مرتبط بمسألة العبد أيضا بقرينة أن المصنف لم يذكر فيها حكم التجدد ، فعلم أن هذا راجع [ ص: 799 ] إلى المسألتين جميعا لكن هذا إذا لم يشر فيهما ، أما إذا أشار فيهما فمعلوم أنه لا يحنث لأن المتجدد غير المشار إليه وقت الحلف فافهم .

والحاصل كما في البحر : أنه إذا أضاف ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة ويحنث في المتجدد في الكل لوجودها . وإذا أضاف وأشار فلا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة وإلا حنث ا هـ لكن قوله : وإلا حنث أي بأن كان المضاف يقصد المعاداة كالزوجة والصديق مقتضاه أنه يحنث بالمتجدد إذا أشار مع أن الحنث بالمتجدد هنا قد خصه الزيلعي بما إذا لم يشر كما هو المتبادر من عبارة الكنز والمصنف فافهم .




الخدمات العلمية