الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم المكاسب أربعة الإجارة والتجارة والزراعة والصناعة وكل ذلك في الإباحة [ ص: 259 ] سواء عند جمهور الفقهاء رحمهم الله وقال بعضهم : الزراعة مذمومة لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيئا من آلات الحرابة في دار قوم فقال ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا } { ، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل { إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم } أهو التعرب ؟ قال : لا لكنه الزراعة } ، والتعرب سكنى البادية وترك الهجرة وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : إذا تبايعتم بالعين واتبعتم أذناب البقر ذللتم حتى يطمع فيكم

وحجتنا في ذلك ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم ازدرع بالجرف } وقال عليه السلام { اطلبوا الرزق تحت خبايا الأرض } يعني الزراعة وقال عليه السلام { الزارع يتاجر ربه } ، وقد كان له فدك وسهم بخيبر فكان قوته في آخر العمر من ذلك وعمر رضي الله عنه كان له أرض بخيبر يدعى ثمغ ، وقد كان لابن مسعود والحسن بن علي وأبي هريرة رضي الله عنهم مزارع بالسواد يزرعونها ويؤدون خراجها ، وكان لابن عباس رضي الله عنهما أيضا مزارع بالسواد وغيرهما وتأويل الآثار المروية فيما إذا اشتغل الناس كلهم بالزراعة وأعرضوا عن الجهاد حتى يطمع فيهم عدوهم ، وذلك مروي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال وقعدتم عن الجهاد وذللتم حتى يطمع فيكم فيما إذا اشتغل بعضهم بالجهاد وبعضهم بالزراعة ففي عمل المزارع معاونة للمجاهد ، وفي عمل المجاهد دفع عن الزارع ، وقال صلى الله عليه وسلم {المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا } ثم اختلف مشايخنا رحمهم الله في التجارة والزراعة فقال بعضهم التجارة أفضل لقوله تعالى { وآخرون يضربون في الأرض } الآية ، والمراد بالضرب في الأرض التجارة فقدمه في الذكر على الجهاد الذي هو سنام الدين وسنة المرسلين ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله وقال عليه السلام { التاجر الأمين مع الكرام البررة يوم القيامة } .

وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أن الزراعة أفضل من التجارة ; لأنها أعم نفعا فبعمل الزراعة تحصيل ما يقيم به المرء صلبه ويتقوى به على الطاعة وبالتجارة لا يحصل ذلك ولكن ينمو المال وقال عليه السلام { خير الناس من هو أنفع للناس } فالاشتغال بما يكون نفعه أعم يكون أفضل ، ولأن الصدقة في الزراعة أطهر فلا بد أن يتناول مما يكتسبه الزارع الناس والدواب والطيور وكل ذلك صدقة له قال عليه السلام { ما غرس مسلم شجرة فتناول منها إنسان أو دابة أو طير إلا كانت له صدقة } ، وفي رواية { وما أكلت العافية منها فهي له صدقة } والعافية هي الطيور الطالبة لأرزاقها الراجعة إلى أوكارها ، وإذا كان [ ص: 260 ] في عادة الناس ذم الكسب الذي ينعدم فيه التصديق كعمل الحياكة مع أنه من التعاون على إقامة الصلاة عرفنا أن ما يكون التصديق فيه أكثر من الكسب ، فهو أفضل فأما تأويل ما تعلقوا به ، فقد روى مكحول ومجاهد رحمهما الله قالا : المراد الضرب في الأرض لطلب العلم وبه نقول إن ذلك أفضل

التالي السابق


الخدمات العلمية