الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        772 734 - عن صدقة بن يسار عنه ، قال : والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي أن أعتمر بعد الحج .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        16014 - قال أبو عمر : التمتع الذي قدمنا ذكره عن جمهور العلماء وأئمة الفتوى ثم القران وجهان من التمتع .

                                                                                                                        16015 - ( والوجه الثالث ) : هو فسخ الحج في عمرة ، وجمهور العلماء يكرهونه ، وقد ذكرنا من مال إليه وقال به في غير هذا الباب من هذا الكتاب .

                                                                                                                        [ ص: 211 ] 16016 - ( والوجه الرابع ) : ما ذهب إليه ابن الزبير أن التمتع هو تمتع المحصر ، وهو محفوظ عن ابن الزبير من وجوه منها ما رواه وهيب ، قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب ويقول : يا أيها الناس : إنه والله ليس التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ثم يحل ويهدي .

                                                                                                                        16017 - وأما نهي عمر بن الخطاب عن التمتع فإنما هو عندي نهي أدب لا على تحريم ; لأنه كان يعلم أن التمتع مباح وأن القران مباح ، وأن الإفراد مباح ، فلما صحت عنده الإباحة والتخيير في ذلك كله اختار الإفراد ، فكان يحض على ما هو المختار عنده ولهذا كان يقول : افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج .

                                                                                                                        16018 - وهذا قد خالفه فيه جماعة من الصحابة القائلين بالتمتع وبالقران أيضا واختاروهما على الإفراد .

                                                                                                                        16519 - فمن حجة من اختار التمتع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " .

                                                                                                                        16020 - والصحيح عندي أن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) لم ينه عن التمتع المذكور في هذا الباب ; لأنه كان أعلم بالله ورسوله من أن ينهى عما أباحه الله في كتابه وأباحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به وأذن فيه ، وإنما نهى عمر عند أكثر [ ص: 212 ] العلماء عن فسخ الحج في العمرة . فهذه العمرة التي تواعد عليها عمر .

                                                                                                                        16021 - وفيها روي الحديث عنه ، أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج .

                                                                                                                        16022 - يعني فسخ الحج في العمرة ، وعلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز عند أكثر علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم لقول الله - تعالى - : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] يعني لمن دخل فيه .

                                                                                                                        16023 - ولا أعرف من الصحابة من يجيز فسخ الحج في العمرة ، بل خص به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        16024 - روي عن عثمان بن عفان أنه قال : متعة الحج كانت لنا ، ليست لكم ; يعني أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجه بفسخ الحج في العمرة .

                                                                                                                        16025 - وقال أبو ذر : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ بعمرة .

                                                                                                                        16026 - وروى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني ، عن أبيه ، قال : قلت يا رسول الله ، أفسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا ؟ فقال : " بل لنا خاصة " .

                                                                                                                        [ ص: 213 ] 16027 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في " التمهيد " ، ونذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله .

                                                                                                                        16028 - وأما قول سعد : قد صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنعناها معه . فإن ظاهره يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا وهذا قد روي فيه من الآثار ما ذكرنا في باب الإفراد .

                                                                                                                        16029 - ولا يصح عندي أن يكون متمتعا إلا تمتع قران ; لأنه لا خلاف بين العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل من عمرته حين أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة ، فإنه أقام محرما من أجل هديه إلى محل الهدي يوم ينحر . وهذا حكم القارن لا حكم المتمتع .

                                                                                                                        16030 - وقد تأول من قال بالإقران قوله : " صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، في حديث سعد هذا ، وفيه حديث عمران بن حصين المذكور .

                                                                                                                        16031 - وفي قول ابن عمر : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج وساق الهدي : أن ذلك كله أضافوه إليه لأمره به فأشار به ، لا أنه يعلمه في خاصة نفسه كما قالوا : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزاني المحصن ، وقطع السارق ونحو ذلك .

                                                                                                                        16032 - وهذا اعتلال غير صحيح ، لأنه يلزمهم مثله في رواية من قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج أي أباحه وأذن فيه ولم يفعله في خاصته .

                                                                                                                        16033 - ولكل واحد منهم حجج يدعو بها يطول ذكرها ، وقد ذكرنا [ ص: 214 ] أصولها وعيونها في " التمهيد " وفي مواضع من هذا الكتاب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية