الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2382 2 - حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي مراوح ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله وجهاد في سبيله ، قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ، قلت : فإن لم أفعل ، قال : تعين ضايعا أو تصنع لأخرق ، قال : فإن لم أفعل ، قال : تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " فأي الرقاب أفضل " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول : عبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي ، الثاني : هشام بن عروة ، الثالث : أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، الرابع : أبو مراوح بضم الميم وتخفيف الراء وكسر الواو وفي آخره حاء مهملة على وزن مقاتل ، وفي رواية مسلم الليثي ويقال له : الغفاري ، قيل : اسمه سعد ، والأصح أنه لا يعرف له اسم ، وقال الحاكم أبو أحمد : أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، الخامس : أبو ذر الغفاري ، واسمه جندب بن جنادة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه أن رجاله كلهم مدنيون إلا شيخه فإنه كوفي ، وفيه أن هذا الإسناد في حكم الثلاثيات لأن هشام بن عروة الذي هو شيخ شيخه من التابعين ، وإن كان روى هنا عن تابعي آخر ، وهو أبوه عروة ، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم هشام ، وأبوه ، وأبو مراوح ، وفي رواية مسلم : عن الزهري ، عن حبيب مولى عروة ، عن عروة ، فصار فيه أربعة من التابعين ، وفيه رواية الراوي عن أبيه ، وفيه أن ليس لأبي مراوح في البخاري غير هذا الحديث ، وفيه عن هشام بن عروة ، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة عن عبيد الله بن موسى ، أخبرنا هشام بن عروة ، وفيه هشام بن عروة ، عن أبيه ، وفي رواية الإسماعيلي : أخبرني أبي أن أبا مراوح أخبره ، وفيه عن أبي ذر ، وفي رواية يحيى بن سعيد : أن أبا ذر أخبره ، وذكر الإسماعيلي جماعة أكثر من عشرين نفسا رووا هذا الحديث عن هشام بالإسناد المذكور ، وخالفهم مالك فأرسله في المشهور عنه عن هشام ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه يحيى بن يحيى [ ص: 80 ] الليثي ، وطائفة عنه ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، ورواه سعيد بن داود عنه ، عن هشام كرواية الجماعة ، وقال الدارقطني : الرواية المرسلة عن مالك أصح ، والمحفوظ عن هشام كما قال الجماعة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي الربيع الزهراني ، وخلف بن هشام ، وعن محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، وأخرجه النسائي في العتق عن عبيد الله بن سعيد بقصة الجهاد ، وقصة الرقاب ، وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بهما ، وفي الجهاد عن محمد بن عبد الله بالقصة الأولى ، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن أحمد بن سيار بقصة الرقاب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " وجهاد في سبيله " إنما قرن الجهاد بالإيمان لأنه كان عليهم أن يجاهدوا في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا ، وكان الجهاد في ذلك الوقت أفضل الأعمال ، قوله : " أغلاها ثمنا " في رواية الأكثرين " أعلاها " بالعين المهملة ، وهي رواية النسائي أيضا ، وفي رواية الكشميهني بالغين المعجمة ، وكذا في رواية النسفي، وفي المطالع معناهما متقارب ، ووقع في رواية مسلم من رواية حماد بن زيد " أكثرها ثمنا " ، وقال النووي : محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة ، أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا ، فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل ، قال : وهذا بخلاف الأضحية فإن الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنالك الرقبة ، وهناك طيب اللحم ، وقال أبو عبد الملك : إذا كانا في ذوي الدين أفضلهما أغلاهما ثمنا ، وقد اختلف فيما إذا كان النصراني أو اليهودي أو غيرهما أكثر ثمنا من المسلم قال مالك : عتق الأغلى أفضل ، وإن كان غير مسلم ، وقال أصبغ : عتق المسلم أفضل ، قوله : " وأنفسها " أي أكثرها رغبة عند أهلها لمحبتهم فيها ; لأن عتق مثل ذلك لا يقع غالبا إلا خالصا ، وإليه الإشارة بقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان لابن عمر رضي الله تعالى عنهما جارية يحبها فأعتقها لهذه الآية ، قوله : " قلت فإن لم أفعل " ، ويروى : " قال فإن لم أفعل " أي إن لم أقدر على ذلك ، فأطلق الفعل وأراد القدرة عليه ، وفي رواية الإسماعيلي : أرأيت إن لم أفعل ، وفي رواية الدارقطني في الغرائب : فإن لم أستطع ، قوله : " تعين ضايعا " بالضاد المعجمة وبالياء آخر الحروف بعد الألف كذا وقع لجميع رواة البخاري ، وجزم به القاضي عياض وغيره ، وكذا هو في رواية مسلم إلا في رواية السمرقندي ، وجزم الدارقطني وغيره بأن هشاما رواه هكذا دون من رواه عن أبيه ، فعلم من ذلك أن الذي رواه صانعا بالصاد المهملة وبالنون بعد الألف غير صحيح ، لأن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه ، وروى الدارقطني من طريق معمر ، عن هشام هذا الحديث بالضاد المعجمة قال معمر : وكان الزهري يقول : صحف هشام ، وإنما هو بالصاد المهملة والنون ، قلت : كأن ابن المنير اعتمد على أنه بالصاد المهملة والنون حيث قال : وفيه إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع لأن غير الصانع مظنة الإعانة ، فكل أحد يعينه غالبا بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يغفل عن إعانته فهو من جنس الصدقة على المستور انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا لا بأس به إذا صحت الرواية بالصاد والنون ، وفي التوضيح : وصوابه بالمهملة والنون ، وقال النووي : الأكثر في الرواية المعجمة ، وقال عياض : روايتنا في هذا من طريق هشام بالمعجمة ، وعن أبي بحر : بالمهملة وهو صواب الكلام لمقابلته بالأخرق ، وإن كان المعنى من جهة معونة الضائع أيضا صحيحا لكن صحت الرواية عن هشام بالمهملة ، وقال ابن المديني : الزهري يقول بالمهملة ، ويرون أن هشاما صحفه بالمعجمة ، والصواب قول الزهري ، وقال الكرماني : وضايعا بالمعجمة ثم بالمهملة ، وفي بعضها بالمهملتين وبالنون ، ثم قال : قال الدارقطني عن معمر : كان الزهري يقول : صحف هشام حيث روى ضايعا بالمعجمة انتهى ، قلت : لم يحرر الكرماني هذا الموضع والتحرير ما ذكرناه ، ومعنى الضايع بالمعجمة الفقير ، لأنه ذو ضياع من فقر وعيال ، قوله : " أو تصنع لأخرق " الأخرق بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وبالراء والقاف هو الذي ليس في يده صنعة ، ولا يحسن الصناعة ، قال ابن سيده : خرق بالشيء جهله ، ولم يحسن عمله ، وهو أخرق ، وفي المثلث لابن عديس : والخرق جمع الأخرق من الرجال والخرقاء من النساء ، وهما ضد الصناع والصنع ، قوله : " تدع الناس " أي تتركهم من الشر ، و" تدع " من الأفعال التي أمات العرب ماضيها كذا قالته النحاة ، ويرد عليهم قراءة من قرأ : ( ما ودعك ربك وما قلى ) [ ص: 81 ] بتخفيف الدال ، قوله : " فإنها صدقة " أي فإن المذكور من الجملة صدقة ، قوله : " تصدق بها " بفتح الصاد وتشديد الدال أصله تتصدق فحذفت إحدى التاءين ، ويجوز تشديد الصاد على الإدغام ، ويجوز تخفيفها ، وفي الحديث : " إن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان " ، ولما اختلفت الروايات في أفضل الأعمال أجابوا بأن الاختلاف بحسب اختلاف السائلين ، والجواب لهم بحسب ما يليق بالمقام ، وفيه حسن المراجعة في السؤال ، وصبر المفتي والمعلم على المستفتي والتلميذ والرفق بهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية