الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1028 984 - وذكر مالك في هذا الباب ، عن يحيى بن سعيد ; أنه قال : كان علي مشي . فأصابتني خاصرة ، فركبت ، حتى أتيت مكة . فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره . فقالوا : عليك هدي . فلما قدمت المدينة ، سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث عجزت . فمشيت .

                                                                                                                        [ ص: 31 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 31 ] 20817 - قال أبو عمر : فيما ذكره مالك ما يوضح لك أن فتوى أهل مكة ، بالهدي بدلا من المشي ، وفتوى أهل المدينة بالمشي من حيث عجز من غير هدي .

                                                                                                                        20818 - وأجمع مالك عليه الأمرين جميعا احتياطا لموضع تعديه المشي الذي كان يلزمه في سفر واحد ، وجعله في سفرين ، قياسا على المتمتع والقارن ، - والله أعلم - فخالف بذلك الطائفتين معا ، إلا أنه قد روي مثل قول مالك عن طائفة من السلف .

                                                                                                                        20819 - ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، - عن الشعبي ، عن ابن عباس : أن رجلا نذر أن يمشي إلى مكة ، إذا أعيا ركب ، فإذا كان عام قابل مشى ما ركب ، وركب ما مشى ، وأهدى بدنة .

                                                                                                                        20820 - قال أبو عمر : كان نذره حجا ، فلذلك قال له : فإذا كان عام قابل ، ولو كان في عمرة لم يؤخره إلى قابل ; لأن العمرة تقضى في كل السنة ، إلا في أيام عمل الحج .

                                                                                                                        20821 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، أنه سئل عن رجل يمشي إلى الكعبة ، فمشى نصف الطريق ، وركب نصفا ؟ فقال عامر : قال ابن عباس : يركب ما مشى ، ويمشي ما ركب من قابل ، ويهدي بدنة .

                                                                                                                        [ ص: 32 ] 20822 - وخالف عبد الله بن الزبير في هذه المسألة عبد الله بن عباس ، فلم يوجب الهدي ، كقول سلف أهل المدينة .

                                                                                                                        20823 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن الأجلح ، عن عمرو بن سعيد البجلي ، قال : كنت تحت ممشى ابن الزبير ، وهو عليه ، فجاء رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إني نذرت أن أحج ماشيا ، فمشيت حتى إذا كان موضع كذا خشيت أن يفوتني الحج فركبت ، فقال ابن الزبير : ارجع عام قابل ، فاركب ما مشيت ، وامش ما ركبت .

                                                                                                                        20824 - وروي عن إبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، عن كل واحد منهما روايتان : ( إحداهما ) مثل قول ابن عباس ، ( والأخرى ) مثل قول ابن عمر ، وابن الزبير .

                                                                                                                        20825 - وعن الحسن رواية ثالثة كقول عطاء ذكرها ابن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن الحسن ، في رجل نذر أن يحج ماشيا ، قال : يمشي ، فإذا انقطع ، ركب وأهدى .

                                                                                                                        20826 - فالثلاثة الأقوال مشهورة عن علماء السلف محفوظة .

                                                                                                                        20827 - أحدها : يعود ويمشي من حيث ركب ولا هدي .

                                                                                                                        [ ص: 33 ] 20828 - والثاني : يهدي ولا يعود إلى المشي .

                                                                                                                        20829 - والثالث : أن يعود فيمشي ، ثم يهدي .

                                                                                                                        20830 - روي هذا عن ابن عباس من طريق ثابت .

                                                                                                                        20831 - وروي عن علي أيضا من وجه فيه ضعف .

                                                                                                                        20832 - وقد روي عن علي قول رابع فيمن نذر المشي إلى الكعبة في حج أو عمرة أنه يخير ، إن شاء مشى ، وإن شاء ركب وأهدى .

                                                                                                                        20833 - رواه قتادة ، عن الحسن ، عن علي ، والحكم بن عيينة ، عن إبراهيم ، عن علي .

                                                                                                                        20834 - وروى موسى بن عبيدة ، عن يزيد بن قسيط مثله .

                                                                                                                        20835 - قال الشافعي : من نذر المشي إلى بيت الله لزمه ، إن قدر على المشي ، فإن لم يقدر ، ركب ، وأهراق دما احتياطا ، من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه .

                                                                                                                        20836 - وهو قول مالك في الهدي الواجب عنده في هذا الباب بدنة أو بقرة ، فإن لم يجد أهدى شاة .

                                                                                                                        [ ص: 34 ] 20837 - هذا قوله في " الموطأ " وغيره .

                                                                                                                        20838 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : من حلف بالمشي إلى بيت الله ، أو إلى مكة ، ثم حنث ، أنه يمشي وعليه حجة أو عمرة ، فإن ركب في ذلك أجزأه ، وعليه دم .

                                                                                                                        20839 - وأجازوا له الركوب ، وإن لم يعجز عن المشي مع الدم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية