الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6117 69 - حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال : رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ! فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا ، وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فاجتاحهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه الإنذار عن الوقوع في المعاصي والانتهاء عنها . ومحمد بن العلاء بن كريب : أبو كريب الكوفي ، وهو شيخ مسلم أيضا ، وأبو أسامة حماد بن أسامة الليثي ، وبريد : بضم الباء الموحدة مصغر برد ، ابن عبد الله بن أبي بردة ، بضم الباء الموحدة ، واسمه عامر ، وقيل الحارث ، وبريد هذا يروي عن جده أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه . والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام ، وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مثلي " المثل بفتحتين الصفة العجيبة الشأن ، يوردها البليغ على سبيل الشبه لإرادة التقريب والتفهيم . قوله : "ومثل ما بعثني الله " العائد محذوف ، تقديره : ما بعثني الله به إليكم . قوله : " قوما " التنكير فيه للشيوع . قوله : " الجيش " اللام فيه للعهد . قوله : " بعيني " بالتثنية ، وهي رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره بالإفراد . قوله : " وأنا النذير العريان " أي : المنذر الذي تجرد عن ثوبه وأخذه يرفعه ويديره حول رأسه إعلاما لقومه بالغارة ، وقال ابن بطال : النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة ، فقطع يده ويد امرأته ، فانصرف إلى قومه فحذرهم ، فضرب به المثل في تحقق الخبر . وقال ابن السكيت : اسم الرجل الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري والمرأة كانت من بني كنانة ، وتنزيل هذه القصة على لفظ الحديث بعيد ، لأنه ليس [ ص: 76 ] فيها أنه كان عريانا ، وقال أبو عبد الملك : هذا مثل قديم ، وذلك أن رجلا لقي جيشا فجردوه وعروه فجاء إلى المدينة فقال : إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير لكم ، وتروني عريانا جردني الجيش ، فالنجاء النجاء ! وقال ابن السكيت : ضرب به النبي صلى الله عليه وسلم المثل لأمته ; لأنه تجرد لإنذارهم . وقال الخطابي : روي عن محمد بن خالد العربان ، بباء موحدة ، فإن كان محفوظا فمعناه صحيح ، وهو الفصيح بالإنذار لا يكني ولا يوري ، يقال : رجل عربان أي : فصيح اللسان ، من أعرب الرجل عن حاجته إذا أفصح عنها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فالنجاء " بالنصب ، مفعول مطلق فيه إغراء أي : اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب ; لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش ، والنجاء الثاني تأكيد ، وكلاهما ممدودان ، وجاء القصر فيهما تخفيفا ، وجاء مد الأول وقصر الثاني . قوله : " فأدلجوا " من الإدلاج من باب الإفعال ، وهو السير أول الليل أو كل الليل على الاختلاف في معناه ، وهمزته همزة قطع ، وفي التوضيح : قوله " فادلجوا " بتشديد الدال . قلت : لا يستقيم هذا هنا ، لأن الادلاج بالتشديد هو السير آخر الليل ، فلا يناسب هذا المقام ، والصواب ما ذكرناه . قوله : " على مهلهم " بفتحتين ، أي : على السكينة والتأني ، وأما المهل بسكون الهاء فمعناه الإمهال ، فلا يناسب هنا ، وفي رواية مسلم " عن مهلتهم " . قوله : " فنجوا " لأنهم أطاعوا النذير وساروا من أول الليل فنجوا . قوله : " فصبحهم الجيش " أي : أتوهم صباحا ، هذا أصله ، ثم استعمل فيمن يطرق بغتة في أي وقت كان . قوله : " فاجتاحهم " بجيم ثم بحاء مهملة ، أي : استأصلهم ، من جحت الشيء أجوحه إذا استأصلته ، ومنه الجائحة ، وهي الهلاك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية