الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي جعفر محمد بن علي : إن عثمان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور ، فأراد أن يأتيه ، فتعلقوا به ومنعوه ، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال : اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به .

                                                                                      وعن أبي إدريس الخولاني ، قال : أرسل عثمان إلى سعد ، فأتاه ، فكلمه ، فقال له سعد : أرسل إلى علي ، فإن أتاك ورضي صلح الأمر . قال : فأنت رسولي إليه ، فأتاه ، فقام معه علي ، فمر بمالك الأشتر ، فقال الأشتر لأصحابه : أين يريد هذا ؟ قالوا : يريد عثمان ، فقال : والله لئن [ ص: 201 ] دخل عليه لتقتلن عن آخركم ، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه ، وأرسل إلى أهل مصر : إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا . فدخلوا عليه فقتلوه .

                                                                                      وعن أبي حبيبة ، قال : لما اشتد الأمر ، قالوا لعثمان يعني الذين عنده في الدار ائذن لنا في القتال ، فقال : أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل .

                                                                                      أبو حبيبة هو مولى الزبير ، روى عنه موسى بن عقبة .

                                                                                      وقال محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، قال : حدثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه . وحدثني عبد الحميد بن عمران ، عن أبيه ، عن مسور بن مخرمة . [ ح ] وحدثني موسى بن يعقوب ، عن عمه ، عن ابن الزبير . [ ح ] وحدثنا ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قالوا : بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور ، ويأمره أن يجهز إليه جيشا سريعا . فلما قدم على معاوية ، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة ، ومعاوية بن حديج ، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا . فدخل معاوية نصف الليل ، وقبل رأس عثمان ، فقال : أين الجيش ؟ قال : ما جئت إلا في ثلاثة رهط . فقال عثمان : لا وصل الله رحمك ، ولا أعز نصرك ، ولا جزاك خيرا ، فوالله لا أقتل إلا فيك ، ولا ينقم علي إلا من أجلك . فقال : بأبي أنت وأمي ، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك ، ولكن معي نجائب ، فاخرج معي ، فما شعر بي أحد ، فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام . فقال : بئس ما أشرت به ، وأبى أن يجيبه . [ ص: 202 ] فأسرع معاوية راجعا ، ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعا ، وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له .

                                                                                      فلما كان في حصره الآخر ، بعث المسور ثانيا إلى معاوية لينجده ، فقال : إن عثمان أحسن فأحسن الله به ، ثم غير فغير الله به ، فشددت عليه ، فقال : تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم : اذهب فادفع عنه الموت ، وليس ذلك بيدي ، ثم أنزلني في مشربة على رأسه ، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان .

                                                                                      وأما سيف بن عمر ، فروى عن أبي حارثة وأبي عثمان ، قالا : لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري ، فقال : أشر علي برجل منفذ لأمري ولا يقصر ، قال : ما أعرف لذاك غيري ، قال : أنت لها ، وجعل على مقدمتهيزيد بن شجعة الحميري في ألف ، وقال : إن قدمت يا حبيب وقد قتل ، فلا تدعن أحدا أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته ، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل ، فأقم حتى أنظر ، وبعث يزيد بن شجعة في ألف على البغال ، يقودون الخيل ، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير ، فأتاه قتله بقرب خيبر . ثم أتاه النعمان بن بشير ، معه القميص الذي قتلوه فيه ، فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة ، قد قطعوها بضربة سيف ، فرجعوا ، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق ، والأصابع معلقة فيه ، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم ، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان ، أو تفنى أرواحهم ، وبكوه سنة .

                                                                                      وقال الأوزاعي : حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان ، أن المغيرة بن شعبة ، دخل على عثمان وهو محصور ، فقال : إنك إمام العامة ، [ ص: 203 ] وقد نزل بك ما ترى ، وإني أعرض عليك خصالا : إما أن تخرج فتقاتلهم ، فإن معك عددا وقوة ، وإما أن تخرق لك بابا سوى الباب الذي هم عليه ، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة ، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها ، وإما أن تلحق بالشام ، فإنهم أهل الشام ، وفيهم معاوية ، فقال : إني لن أفارق دار هجرتي ، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء .

                                                                                      وقال نافع ، عن ابن عمر : أصبح عثمان يحدث الناس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام ، فقال : " أفطر عندنا غدا " فأصبح صائما ، وقتل من يومه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية