الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال محمد بن سيرين : ما أعلم أحدا يتهم عليا في قتل عثمان ، وقتل وإن الدار غاصة ، فيهم ابن عمر ، والحسن بن علي ، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا .

                                                                                      ومن وجه آخر ، عن ابن سيرين ، قال : انطلق الحسن والحسين وابن عمر ، ومروان ، وابن الزبير ، كلهم شاك السلاح ، حتى دخلوا على عثمان ، فقال : أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم ، فقال ابن الزبير ، ومروان : نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح . وخرج الآخرون .

                                                                                      وقال ابن سيرين : كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة ، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها .

                                                                                      وروي أن الحسن بن علي ما راح حتى جرح .

                                                                                      وقال عبد الله بن الزبير : قلت لعثمان : قاتلهم ، فوالله لقد أحل الله [ ص: 204 ] لك قتالهم ، فقال : لا أقاتلهم أبدا ، فدخلوا عليه وهو صائم . وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار ، وقال : أطيعوا عبد الله بن الزبير .

                                                                                      وقال ابن سيرين : جاء زيد بن ثابت في ثلاث مائة من الأنصار ، فدخل على عثمان ، فقال : هذه الأنصار بالباب . فقال : أما القتال فلا .

                                                                                      وقال أبو صالح ، عن أبي هريرة ، قال : دخلت على عثمان يوم الدار ، فقلت : طاب الضرب . فقال : أيسرك أن يقتل الناس جميعا وأنا معهم ؟ قلت : لا ؛ قال : فإنك إن قتلت رجلا واحدا ، فكأنما قتلت الناس جميعا . فانصرفت ولم أقاتل .

                                                                                      وعن أبي عون مولى المسور ، قال : ما زال المصريون كافين عن القتال ، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر ، وأمداد ابن أبي سرح من مصر ، فقالوا : نعاجله قبل أن تقدم الأمداد .

                                                                                      وعن مسلم أبي سعيد ، قال : أعتق عثمان عشرين مملوكا ، ثم دعا بسراويل ، فشدها عليه ، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، وقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة ، وأبا بكر ، وعمر ، فقال : " اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة " ثم نشر المصحف بين يديه ، فقتل وهو بين يديه .

                                                                                      وقال ابن عون ، عن الحسن : أنبأني وثاب مولى عثمان ، قال : جاء رويجل كأنه ذئب ، فاطلع من باب ، ثم رجع ، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا ، فدخل حتى انتهى إلى عثمان ، فأخذ بلحيته ، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر ، ما أغنت عنك كتبك . فقال : أرسل لحيتي يا بن أخي . قال : فأنا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه ، فقام إلى عثمان بمشقص ، حتى وجأ به في رأسه ، ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه .

                                                                                      [ ص: 205 ] وعن ريطة مولاة أسامة ، قالت : كنت في الدار ، إذ دخلوا ، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها ، فقال : يا بن أخي دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن تؤذيها . فرأيته كأنه استحيى ، فقام ، فجعل بطرف ثوبه هكذا : ألا ارجعوا ألا ارجعوا . قالت : وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة ، ضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل ، وهو يمسح ويقول : " اللهم لا يطلب بدمي غيرك " وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه ، وتعاوروه بأسيافهم ، فرأيتهم ينتهبون بيته .

                                                                                      وقال مجالد ، عن الشعبي ، قال : جاء رجل من تجيب من المصريين ، والناس حول عثمان ، فاستل سيفه ، ثم قال : أفرجوا ، ففرجوا له ، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان ، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه ، فحز السيف أصابعها .

                                                                                      وقيل : الذي قتله رجل يقال له حمار .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان ، ومعه كنانة بن بشر ، وسودان ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف ، فتقدمهم محمد ، فأخذ بلحيته ، وقال : يا نعثل قد أخزاك الله ، فقال : لست بنعثل ولكنني عبد الله ، وأمير المؤمنين ، فقال محمد : ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان ، قال : يا بن أخي دع لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت ، فقال : ما يراد بك أشد من قبضتي ، وطعن جنبه بمشقص ، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان ، فمضت حتى دخلت في حلقه ، ثم علاه [ ص: 206 ] بالسيف ، قال عبد الرحمن بن عبد العزيز : فسمعت ابن أبي عون يقول : ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد ، وضربه سودان المرادي فقتله ، ووثب عليه عمرو بن الحمق ، وبه رمق ، وطعنه تسع طعنات ، وقال : ثلاث لله ، وست لما في نفسي عليه .

                                                                                      وعن المغيرة ، قال : حصروه اثنين وعشرين يوما ، ثم أحرقوا الباب ، فخرج من في الدار .

                                                                                      وقال سليمان التيمي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد ، قال : فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه ، فدخل عليه رجل ، فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر ، فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فأهوى إليه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فقال : أما والله إنها لأول كف خطت المفصل ، ودخل عليه رجل يقال له : الموت الأسود ، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف ، قال : فوالله ما رأيت شيئا ألين من حلقه ، فقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده .

                                                                                      وعن الزهري ، قال : قتل عند صلاة العصر ، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله ، وشد سودان على العبد فقتله .

                                                                                      وقال أبو نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : ضربوه فجرى الدم على المصحف على : فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [ البقرة ] .

                                                                                      وقال عمران بن حدير ، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني : أن أول [ ص: 207 ] قطرة قطرت من دمه على : فسيكفيكهم الله فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب هو وسهيل المري ، فأخرجوا إليه المصحف ، فإذا قطرة الدم على فسيكفيكهم الله قال : فإنها في المصحف ما حكت .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية