الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                22 - الاختلاف في المقر به يمنع الصحة . 23 - وفي سببه ، لا أقر له بعين وديعة أو مضاربة [ ص: 47 ] أو أمانة ، فقال ليس لي وديعة لكن لي عليك ألف من ثمن مبيع أو قرض 25 - فلا شيء له 26 - إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر عليه ، 27 - ولو قال أقرضتك فله أخذها لاتفاقهما على ملكه 28 - إلا إذا صدقه خلافا لأبي يوسف رحمه الله ، [ ص: 48 ] ولو أقر أنها غصب فله مثلها للرد في حق العين ، كذا في الجامع الكبير .

                المقر إذا صار مكذبا شرعا بطل إقراره ، فلو ادعى المشتري الشراء بألف والبائع بألفين وأقام البينة فإن الشفيع يأخذها بألفين لأن القاضي كذب المشتري في إقراره ، وكذا إذا أقر المشتري بأن المبيع للبائع ثم استحق من يد المشتري بالبينة بالقضاء ; له الرجوع بالثمن على بائعه ، وإن أقر أنه للبائع كذا في قضاء الخلاصة .

                ومنه ما في الجامع ادعى عليه كفالة فأنكر فبرهن المدعي وقضي على الكفيل ، [ ص: 49 ] كان له الرجوع على المديون إذا كان بأمره .

                وخرجت من هذا الأصل مسألتان في قضاء الخلاصة يجمعهما أن القاضي إذا قضى باستصحاب الحال لا يكون تكذيبا له .

                الأولى : لو أقر المشتري أن البائع أعتق العبد قبل البيع وكذبه البائع فقضى بالثمن على المشتري لم يبطل إقراره بالعتق حتى يعتق عليه . 31 - الثانية : إذا ادعى المديون الإيفاء أو الإبراء على رب الدين فجحد وحلف وقضى له بالدين لم يصر الغريم مكذبا حتى لو وجدت بينة تقبل .

                وزدت مسائل : الأولى : أقر المشتري بالملك للبائع صريحا ثم استحق ببينة ورجع بالثمن ، لم يبطل إقراره ، فلو عاد إليه يوما من الدهر فإنه يؤمر بالتسليم إليه .

                الثانية : ولدت 32 - وزوجها غائب وفطم بعد المدة وفرض القاضي له النفقة ولها بينة ثم حضر الأب ونفاه لاعن وقطع النسب .

                ولها أختان في تلخيص الجامع من الشهادة [ ص: 50 ] وعلى هذا لو أقر بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يرجع بالثمن ، أو بوقفية دار ثم اشتراها كما لا يخفى ، ومسألة الوقف مذكورة في الإسعاف

                قال : لو أقر بأرض في يد غيره أنها وقف ثم اشتراها أو ورثها صارت وقفا مؤاخذة له بزعمه ( انتهى ) .

                وقد ذكر في البزازية من الوكالة طرفا من مسائل المقر إذا صار مكذبا شرعا 34 - وذكر في خزانة الأكمل مسألة في الوصية في كتاب الدعوى وهي : رجل مات عن ثلاثة أعبد وله ابن فقط ، فادعى رجل أن الميت أوصى له بعبد يقال له سالم ، فأنكر الابن وأقر أنه أوصى له بعبد يقال له بزيغ ، فبرهن المدعي قضى بسالم ، ولا يبطل إقرار الوارث ببزيغ ، فلو اشتراه الوارث ببزيغ صح ، وغرم قيمته للموصى له ، ثم ذكر بعدها مسألة تخالفها فلتراجع قبل قوله ولد .

                التالي السابق


                ( 22 ) قوله : الاختلاف في المقر به يمنع الصحة : أي اختلاف في نفس المقر به يمنع صحة الإقرار كما لو أقر بالدين والمقر له يدعي العين أو على العكس ، لأن المقر له لما ادعى غير ما أقر به المقر ردا لإقراره وهو يرتد بالرد لما عرف .

                وما ادعاه المقر له لا يثبت لأن المقر ينكره ومتى وقع الاختلاف في السبب يثبت المقر به ويبطل السبب لأنه هو الذي فيه الاختلاف فإذا بطل وصار كأن لم يكن بقي إقرارا بمال مطلق غير مقيد بالسبب وهو مقبول لأن صحته غير مفتقرة إلى ذكر السبب ، ومتى وقع الاختلاف في بعض المقر به فإن ذلك القدر يبطل ويصح الإقرار فيما بقي بخلاف المشهود له إذا كذب شاهده في بعض ما شهد له به حيث تبطل شهادته في الجميع لأن التكذيب تفسيق والفسق مانع من قبول الشهادة دون الإقرار .

                كذا في شرح تلخيص الجامع للقاضي فخر الدين عثمان المارديني وبه سقط ما قيل .

                قوله الاختلاف في المقر به يمنع الصحة لا يخلو عن شيء إذ لو ادعى المقر له الإقرار له بمائة مثلا والمقر رفض الإقرار بسبعين كان الظاهر لزوم السبعين التي اعترف بها كما لا يخفى اللهم إلا أن يقال تصديق المقر له المقر شرط الصحة وماهية السبعين غير ماهية المائة فلم يوجد التصديق على السبعين وهذا لا يلائم قول الإمام في مسألة الطلاق .

                ( 23 ) قوله : وفي سببه لا .

                يعني لأن الأسباب مطلوبة لأحكامها لا لأعيانها فلا [ ص: 47 ] يعتبر التكاذب في السبب بعد .

                اتفاقهما على وجوب أصل المال بخلاف التكاذب في المقر ( 24 ) قوله : أو أمانة من عطف العام على الخاص وفيه أن عطف العام على الخاص من خصوصيات الواو وحتى كما في مغني اللبيب

                ( 25 ) قوله : فلا شيء له .

                لأن الدين مع العين مختلفان لأن العين مال منتفع به حقيقة للحال والدين مال .

                باعتبار العرضية في المال والاختلاف في المقر به يبطل الإقرار .

                ( 26 ) قوله : إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر عليه .

                بأن قال الآمر كما قلته والألف وديعة لي عندك صح وله أخذ الألف لأن الإصرار على الإقرار بمنزلة إنشائه فيصادف التصديق إقرارا مبتدؤه لم يبطله الرد وإن لم يكن مصرا على إقراره لا يفيد عود المقر له إلى تصديقه لأن الإقرار الذي صدقه فيه قد ارتد بالرد ولم يجدد إقرارا آخر يصادفه التصديق فبطل

                ( 27 ) قوله : ولو قال أقرضتك إلخ .

                عطف على قوله فقال ليس لي وديعة ، أي : لو قال المقر له ليست هي بوديعة ولكن أقرضتك عين هذه الألف وجحد المقر القرض فله أخذها بعينها لأنهما اتفقا على أن الألف المعينة ملك المقر له .

                أقصى ما في الباب أن المقر له أقر أنها ملكه ما للمقر بالإقراض وهو ينكره فلا يثبت القرض فكان له أخذها لأن هذا اختلاف في السبب لا في نفس المقر به وذلك لا يمنع صحة الإقرار على ما مر فإن هلكت فلا ضمان عليه ( 28 ) قوله : إلا إذا صدقه .

                أي المقر بالقرض فحينئذ لا يأخذها بعينها لأنهما [ ص: 48 ] تصادقا على كونها مضمونة على التقابض خلافا لأبي يوسف ، فإن له أخذها بعينها وهو مبني على أصل مختلف فيه وهو أن المستقرض يملك القرض بنفس القرض عندهما ، حتى لو أراد أن يدفع إلى المقرض مثله مع قيامه في يده كان له ذلك وعنده لا يملكه إلا بالاستهلاك وهو قبله باق على ملك المقرض فليس له أن يعطيه غيره عند قيامه .

                وبيان البناء هو أنه لما صدقه في الإقراض لم يصر مقرا له بملك العين عندهما بل في ذمته بألف فلم يكن للمقر أخذها وعند أبي يوسف رحمه الله صار بالتصديق مقرا له بالعين لبقاء ملكه قبل الاستهلاك فكان له أخذها بعينها

                ( 29 ) قوله : ولو أقر أنها غصب إلخ .

                بأن قال المقر : هذه الألف بعينها غصبتها منك ، وقال المقر له : لم تغصب مني شيئا لكن لي عليك ألف درهم من ثمن مبيع فجحد المقر الدين والغصب جميعا فليس للمقر له أخذها بعينها وله أن يأخذ من المقر مثلها لأنهما اتفقا على ثبوت ألف درهم في ذكاته أما من جهة المقر له فلا إشكال وأما من جهة المقر فلأنه وإن أقر بألف مشار إليها لكنه عجز عن ردها لتكذيب المقر له إياه في الغصب والغاصب متى عجز عن رد العين بسبب من الأسباب وجب عليه الضمان في ذمته فتقرر اتفاقهما على الألف في الذمة لكنهما اختلفا في السبب فيقضي بما اتفقا عليه ويبطل ما اختلفا فيه وهذا معنى قوله للرد في حق العين أي لوجوب رد العين بالإقرار بالغصب والعجز بالتكذيب وفي العبارة من الإجحاف ما لا يخفى .

                [ ص: 49 ] قوله : كان له الرجوع على المديون .

                قيل عليه : قد يقال الظاهر عدم الرجوع لأن تكذيبه شرعا يظهر في حق المدعي لا في حق نفسه بحيث يكون له الرجوع ولم يؤاخذ بإقراره في حق نفسه ويأتي مثله في الفرعين السابقين .

                ( 31 ) قوله : الثانية إذا ادعى المديون الإيفاء أو الإبراء .

                قيل عليه : في كونها من جزئيات القاعدة نظر ، إذ ظاهر السياق أن المديون هو المقر والصادر منه إنما هو دعوى الإيفاء والإبراء وليس ذلك إقرارا كما ترى ليصير مكذبا فيه بخلاف رب الدين ففي عدها من الجزئيات تسامح .

                ( 32 ) قوله : وزوجها غائب فإن .

                قيل جعلها من المستثنيات يقتضي تكذيب المقر له في حق الغير ومؤاخذته في حق نفسه فما وجه هذه المسألة ومن المقر فيها ؟ أجيب بأن الزوجة مقرة بالولادة من زوجها الغائب فلما قدم ولاعن صارت باللعان مكذبة في [ ص: 50 ] الولادة منه لقطع النسب عنه مع أنها مؤاخذة بإقرارها بالولادة في حق نفسها حتى يلتحق الولد بها بحيث لو ادعت بعد ذلك أن الولد لقيط لا يقبل منها لاعترافها أولا بولادته هذا ما ظهر في وجه كون المسألة من المستثنيات من القاعدة .

                ( 33 ) قوله : وعلى هذا لو أقر بحرية عبد المشار إليه ما تضمنه الاستثناء وهو كونه يؤاخذ بإقراره في حق نفسه وليس المشار إليه أصل القاعدة كما قد يتوهم .

                ( 34 ) قوله : وذكر في خزانة الأكمل مسألة في الوصية إلخ .

                هي من المستثنيات فيؤاخذ بإقراره في حق نفسه ولهذا غرم قيمة بزيغ للموصى له




                الخدمات العلمية