الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  253 9 - حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا معمر بن يحيى بن سام ، قال : حدثني أبو جعفر ، قال : قال لي جابر وأتاني ابن عمك يعرض بالحسن بن محمد بن الحنفية ، قال : كيف الغسل من الجنابة ؟ فقلت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه ، ثم يفيض على سائر جسده ، فقال لي الحسن : إني رجل كثير الشعر ، فقلت : كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منك شعرا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  ظهور مطابقة هذا أيضا للترجمة واضح .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول : أبو نعيم الفضل بن دكين . الثاني : معمر بفتح الميم ، وسكون العين المهملة في أكثر الروايات ، وبه جزم الحافظ المزي ، وفي رواية القابسي بضم الميم الأولى وتشديد الميم الثانية على وزن محمد ، وبه جزم الحاكم ، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ، وقد ينسب إلى جده سام ، فيقال : معمر بن سام ، وهو بالسين المهملة وتخفيف الميم . الثالث : أبو جعفر محمد بن علي الباقر . الرابع : جابر بن عبد الله الصحابي . الخامس : الحسن بن محمد بن علي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وبصيغة الإفراد في موضع واحد . وفيه : القول من اثنين في موضعين . وفيه : أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معانيه وإعرابه ) . قوله : " ابن عمك " ، فيه مسامحة إذ الحسن هو ابن عم أبيه لا ابن عمه . قوله : " يعرض بالحسن " ، جملة وقعت حالا من جابر والتعريض خلاف التصريح من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح هو عبارة عن كناية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور ، وقال الزمخشري : التعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره وها هنا سؤال الحسن بن محمد ، عن جابر بن عبد الله ، عن كيفية الغسل من الجنابة ، وفي الحديث المذكور قبل هذا الباب السؤال عن الغسل وقع عن جماعة بغير لفظة " كيف " ، ووقع جوابه هناك بقوله : " يكفيك صاع " ، وها هنا جوابه بقوله : كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف... الخ ، والسؤال في موضعين عن الكيفية غير أنه لم يذكر لفظ " كيف " هناك اختصارا ، والجواب في الموضعين بالكمية ; لأن هناك قال : يكفيك صاع . وها هنا قال : ثلاثة أكف ، وكل منهما كم ، وقول بعضهم السؤال في الأول عن الكمية أشعر بذلك . قوله في الجواب : يكفيك صاع ليس كذلك ; لأنه اغتر بظاهر قوله ها هنا : كيف الغسل ؟ وقد ذكرنا أن لفظة " كيف " هناك مطوية ; لأن السؤال في موضعين عن حالة الغسل وصفته بلفظ " كيف " .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 203 ] لأنها تدل على الحالة ( فإن قلت : ) كيف تقول السؤال في موضعين عن حالة الغسل ، والجواب بالكمية ( قلت : ) الحالة هي الكيفية ، وللغسل حقيقة وحالة ، فحقيقته إسالة الماء على سائر البدن ، وحالته استعمال ماء نحو صاع أو ثلاث أكف منه ، ولم يكن السؤال عن حقيقة الغسل ، وإنما كان عن حاله فوقع الجواب بالكم في الموضعين ; لأن " كيف وكم " من العوارض المنحصرة في المقولات التسع فطابق الجواب السؤال ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما بعث لبيان الحقائق ، وإنما بعث لبيان الأحكام ، والأحكام من عوارض الحقائق . قوله : ثلاثة أكف هي رواية كريمة بالتاء ، وفي رواية غيرها : ثلاث أكف بغير التاء . قال الكرماني : فإن قلت : الكف مؤنثة فلم دخل التاء في الثلاثة . ( قلت : ) المراد من الكف قدر الكف وما فيها فباعتباره دخلت أو باعتبار العضو . ( قلت : ) في الجواب الأول نظر والثاني لا بأس به ، والأحسن أن يقول : الكف يذكر ويؤنث ، فيجوز دخول التاء وتركه على الاعتبارين ، والمراد أنه يأخذ في كل مرة كفين ; لأن الكف اسم جنس ، فيجوز حمله على الاثنين والدليل عليه رواية إسحاق بن راهويه من طريق حسن بن صالح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال في آخر الحديث ( وبسط يديه ) ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب . قوله : " فيفيضها على رأسه " ، وفي بعض النسخ بدون على . قوله : " ثم يفيض " ، أي : الماء ( فإن قلت : ) لم لا يكون مفعوله المحذوف ثلاثة أكف بقرينة عطفه عليه ؟ ( قلت ) : لأن الثلاثة الأكف لا يكفي لسائر جسده عادة . قوله : " كثير الشعر " ، أي : لا يكفي هذا القدر من الماء ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك ، وقد كفاه ، ومما يستنبط منه جواز الاكتفاء بثلاث غرف على الرأس ، وإن كان كثير الشعر . وفيه تقديم ذلك على إفاضة الماء على جسده . وفيه الحث على السؤال عن أمر الدين من العلماء . وفيه وجوب الجواب عند العلم به . وفيه دلالة على ملازمة النبي عليه الصلاة والسلام على ثلاثة أكف في الغسل ; لأن لفظة : " كان " تدل على الاستمرار .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية