الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما اعتقاد بعض الجهال أن حاجته قضيت بسبب هذه النذور فهذا جهل وضلال، فإن نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به لا يفيد في قضاء الحوائج، ولا يستحب بل يكره، فكيف نذر المعصية؟ وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه نهى عن النذر وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" . وقال: "إن النذر يرد ابن آدم إلى القدر، فيعطي على النذر ما لم يعطه على غيره" . [ ص: 40 ]

لكن إذا كان المنذور طاعة لله تعالى -مثل الصلاة المشروعة والصوم المشروع والحج المشروع والصدقة المشروعة ونحو ذلك- فهذا يجب أن يوفى، وإن كان عقده مكروها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" .

وأما إذا كان المنذور ليس طاعة لله فلا يجب الوفاء به، بل عليه كفارة يمين لتركه عند طائفة من أهل العلم، لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كفارة النذر كفارة يمين" . وفي السنن عنه أنه قال: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" .

وأما إذا كان المنذور معصية، مثل أن ينذر لوثن من الأوثان: كالنذر للأصنام التي كانت تعبدها العرب، والبدود التي تعبدها الهند والزط ، والنذر لكنيسة أو بيعة، أو النذر لغير نبي أو رجل صالح أو غير ذلك، فهذا كله لا يجوز الوفاء به بإجماع المسلمين.

وإن كان في المنذور طاعة ومعصية أمر بفعل الطاعة ونهي عن فعل المعصية، وإن كان الناذر يعتقد أنها طاعة، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروه فليتكلم [ ص: 41 ] وليستظل وليقعد وليتم صومه".

وهكذا حكم جميع العقود والعهود التي يأخذها المشايخ وغيرهم على الناس، يوفى منها ما كان طاعة لله عز وجل، ولا يوفى منها بدين لم يشرعه الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية