الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ردف ]

                                                          ردف : الردف : ما تبع الشيء . وكل شيء تبع شيئا ، فهو ردفه ، وإذا تتابع شيء خلف شيء ، فهو الترادف ، والجمع الردافى ، قال لبيد :


                                                          عذافرة تقمص بالردافى تخونها نزولي وارتحالي



                                                          ويقال : جاء القوم ردافى أي : بعضهم يتبع بعضا . ويقال للحداة الردافى ، وأنشد أبو عبيد للراعي :


                                                          وخود من اللائي تسمعن بالضحى     قريض الردافى بالغناء المهود



                                                          وقيل : الردافى الرديف . وهذا أمر ليس له ردف أي : ليس له تبعة . وأردفه أمر : لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى ، قال خزيمة بن مالك بن نهد :


                                                          إذا الجوزاء أردفت الثريا     ظننت بآل فاطمة الظنونا



                                                          يعني فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظين ، قال ابن بري : ومثل هذا البيت قول الآخر :


                                                          قلامسة ساسوا الأمور فأحسنوا سياستها     حتى أقرت لمردف



                                                          قال : ومعنى بيت خزيمة على ما حكاه عن أبي بكر بن السراج أن الجوزاء تردف الثريا في اشتداد الحر فتتكبد السماء في آخر الليل ، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف فتتفرق الناس في طلب المياه فتغيب عنه محبوبته ، فلا يدري أين مضت ولا أين نزلت . وفي حديث بدر : فأمدهم الله بألف من الملائكة مردفين أي : متتابعين يردف بعضهم بعضا . وردف كل شيء : مؤخره . والردف : الكفل والعجز ، وخص بعضهم به عجيزة المرأة ، والجمع من كل ذلك أرداف . والروادف : الأعجاز ، قال ابن سيده : ولا أدري أهو جمع ردف ، نادر أم هو جمع رادفة ، وكله من الإتباع . وفي حديث أبي هريرة : على أكتافها أمثال النواجد شحما تدعونه أنتم الروادف ، هي طرائق الشحم ، واحدتها رادفة . وترادف الشيء : تبع بعضه بعضا . والترادف : التتابع . قال الأصمعي : تعاونوا عليه وترادفوا بمعنى . والترادف : كناية عن فعل قبيح ، مشتق من ذلك . والارتداف : الاستدبار . يقال : أتينا فلانا فارتدفناه أي : أخذناه من ورائه أخذا ، عن الكسائي . والمترادف : كل قافية اجتمع في آخرها ساكنان وهي متفاعلان ومستفعلان ومفاعلان ومفتعلان وفاعلتان وفعلتان وفعليان ومفعولان وفاعلان وفعلان ومفاعيل وفعول ، سمي بذلك ; لأن غالب العادة في أواخر الأبيات أن يكون فيها ساكن واحد ، رويا مقيدا كان أو وصلا أو خروجا ، فلما اجتمع في هذه القافية ساكنان مترادفان كان أحد الساكنين ردف الآخر ولاحقا به . وأردف الشيء بالشيء وأردفه عليه : أتبعه عليه ، قال :


                                                          فأردفت خيلا على خيل لي     كالثقل إذ عالى به المعلي



                                                          وردف الرجل وأردفه : ركب خلفه ، وارتدفه خلفه على الدابة . ورديفك : الذي يرادفك ، والجمع ردفاء ، وردافى كالفرادى جمع الفريد . أبو الهيثم : يقال ردفت فلانا أي : صرت له ردفا . الزجاج في قوله تعالى : بألف من الملائكة مردفين معناه يأتون فرقة بعد فرقة . وقال الفراء : مردفين متتابعين ، قال : ومردفين فعل بهم . وردفته وأردفته بمعنى واحد ، شمر : ردفت وأردفت إذا فعلت بنفسك فإذا فعلت بغيرك فأردفت لا غير . قال الزجاج : يقال ردفت الرجل إذا ركبت خلفه ، وأردفته أركبته خلفي ، قال ابن بري : وأنكر الزبيدي أردفته بمعنى أركبته معك ، قال : وصوابه ارتدفته ، فأما أردفته وردفته ، فهو أن تكون أنت ردفا ، له وأنشد :


                                                          إذا الجوزاء أردفت الثريا



                                                          لأن الجوزاء خلف الثريا كالردف . الجوهري : الردف المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب . والرديف : المرتدف ، والجمع رداف . [ ص: 137 ] واستردفه : سأله أن يردفه . والردف : الراكب خلفك . والردف : الحقيبة ونحوها مما يكون وراء الإنسان كالردف ، قال الشاعر :


                                                          فبت على رحلي وبات مكانه     أراقب ردفي تارة وأباصره



                                                          ومرادفة الجراد : ركوب الذكر والأنثى والثالث عليهما . ودابة لا تردف ولا ترادف أي : لا تقبل رديفا . الليث : يقال هذا البرذون لا يردف ولا يرادف أي : لا يدع رديفا يركبه . قال الأزهري : كلام العرب لا يرادف وأما لا يردف فهو مولد من كلام أهل الحضر . والرداف : موضع مركب الرديف ، قال :


                                                          لي التصدير فاتبع في الرداف



                                                          وأرداف النجوم : تواليها وتوابعها . وأردفت النجوم أي : توالت . والردف والرديف : كوكب يقرب من النسر الواقع . والرديف في قول أصحاب النجوم : هو النجم الناظر إلى النجم الطالع ، قال رؤبة :


                                                          وراكب المقدار والرديف     أفنى خلوفا قبلها خلوف



                                                          وراكب المقدار : هو الطالع ، والرديف هو الناظر إليه الجوهري : الرديف النجم الذي ينوء من المشرق إذا غاب رقيبه في المغرب . وردفه - بالكسر - أي : تبعه ، وقال ابن السكيت في قول جرير :


                                                          على علة فيهن رحل مرادف



                                                          أي : قد أردف الرحل رحل بعير وقد خلف ، قال أوس :


                                                          أمون وملقى للزميل مرادف



                                                          الليث : الردف الكفل . وأرداف الملوك في الجاهلية الذين كانوا يخلفونهم في القيام بأمر المملكة ، بمنزلة الوزراء في الإسلام ، وهي الردافة ، وفي المحكم : هم الذين كانوا يخلفونهم نحو أصحاب الشرط في دهرنا هذا . والروادف : أتباع القوم المؤخرون يقال لهم روادف وليسوا بأرداف . والردفان : الليل والنهار ; لأن كل واحد منهما ردف صاحبه . الجوهري : الردافة الاسم من أرداف الملوك في الجاهلية . والردافة : أن يجلس الملك ويجلس الردف عن يمينه ، فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس ، وإذا غزا الملك قعد الردف في موضعه وكان خليفته على الناس حتى ينصرف ، وإذا عادت كتيبة الملك أخذ الردف المرباع ، وكانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع ; لأنه لم يكن في العرب أحد أكثر إغارة على ملوك الحيرة من بني يربوع ، فصالحوهم على أن جعلوا لهم الردافة ويكفوا على أهل العراق الغارة ، قال جرير وهو من بني يربوع :


                                                          ربعنا وأردفنا الملوك فظللوا     وطاب الأحاليب الثمام المنزعا



                                                          وطاب : جمع وطب اللبن ، قال ابن بري : الذي في شعر جرير : ورادفنا الملوك ، قال : وعليه يصح كلام الجوهري لأنه ذكره شاهدا على الردافة ، والردافة مصدر رادف لا أردف . قال المبرد : وللردافة موضعان : أحدهما أن يردف الملوك دوابهم في صيد أو تريف ، والوجه الآخر أن يخلف الملك إذا قام عن مجلسه فينظر في أمر الناس ، أبو عمرو الشيباني في بيت لبيد :


                                                          وشهدت أنجية الأفاقة عاليا     كعبي وأرداف الملوك شهود



                                                          قال : وكان الملك يردف خلفه رجلا شريفا وكانوا يركبون الإبل . ووجه النبي - صلى الله عليه وسلم - معاوية مع وائل بن حجر رسولا في حاجة له ، ووائل على نجيب له ، فقال له معاوية : أردفني ، وسأله أن يردفه ، فقال : لست من أرداف الملوك ، وأرداف الملوك : هم الذين يخلفونهم في القيام بأمر المملكة بمنزلة الوزراء في الإسلام ، واحدهم ردف ، والاسم الردافة كالوزارة ، قال شمر : وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          هم أهل ألواح السرير ويمنه     قرابين أرداف لها وشمالها



                                                          قال الفراء : الأرداف هاهنا يتبع أولهم آخرهم في الشرف ، يقول : يتبع البنون الآباء في الشرف ، وقول لبيد يصف السفينة :


                                                          فالتام طائقها القديم فأصبحت     ما إن يقوم درأها ردفان



                                                          قيل : الردفان الملاحان يكونان على مؤخر السفينة ، وأما قول جرير :


                                                          منا عتيبة والمحل ومعبد     والحنتفان ومنهم الردفان



                                                          أحد الردفين : مالك بن نويرة والردف الآخر من بني رباح بن يربوع . والرداف : الذي يجيء بقدحه بعدما اقتسموا الجزور فلا يردونه خائبا ، ولكن يجعلون له حظا فيما صار لهم من أنصبائهم . الجوهري : الردف في الشعر حرف ساكن من حروف المد واللين يقع قبل حرف الروي ليس بينهما شيء ، فإن كان ألفا لم يجز معها غيرها ، وإن كان واوا جاز معه الياء . ابن سيده : والردف الألف والياء والواو التي قبل الروي ، سمي بذلك ; لأنه ملحق في التزامه وتحمل مراعاته بالروي ، فجرى مجرى الردف للراكب أي : يليه لأنه ملحق به ، وكلفته على الفرس والراحلة أشق من الكلفة بالمتقدم منهما ، وذلك نحو الألف في كتاب وحساب ، والياء في تليد وبليد ، والواو في ختول وقتول ، قال ابن جني : أصل الردف للألف ; لأن الغرض فيه إنما هو المد ، وليس في الأحرف الثلاثة ما يساوي الألف في المد لأن الألف لا تفارق المد ، والياء والواو قد يفارقانه فإذا كان الردف ألفا فهو الأصل ، وإذا كان ياء مكسورا ما قبلها ، أو واوا مضموما ما قبلها ، فهو الفرع الأقرب إليه ; لأن الألف لا تكون إلا ساكنة مفتوحا ما قبلها ، وقد جعل بعضهم الواو والياء ردفين إذا كان ما قبلهما مفتوحا ، نحو ريب وثوب ، قال : فإن قلت فإن الردف يتلو الراكب والردف في القافية إنما هو قبل حرف الروي لا بعده ، فكيف جاز لك أن تشبهه به و الأمر في القضية بضد ما قدمته ؟ فالجواب أن الردف وإن سبق في اللفظ الروي فإنه لا يخرج مما ذكرته ، وذلك أن القافية كما كانت وهي آخر البيت وجها له وحلية لصنعته ، فكذلك أيضا آخر القافية زينة لها ووجه لصنعتها ، فعلى هذا ما يجب أن يقع الاعتداد بالقافية والاعتناء بآخرها أكثر منه بأولها ، وإذا كان كذلك فالروي أقرب إلى آخر القافية [ ص: 138 ] من الردف ، فبه وقع الابتداء في الاعتداد ثم تلاه الاعتداد بالردف ، فقد صار الردف كما تراه وإن سبق الروي لفظا تبعا له تقديرا ومعنى‌‌ ، فلذلك جاز أن يشبه الردف قبل الروي بالردف بعد الراكب ، وجمع الردف أرداف لا يكسر على غير ذلك . وردفهم الأمر وأردفهم : دهمهم وقوله - عز وجل : قل عسى أن يكون ردف لكم يجوز أن يكون أراد ردفكم فزاد اللام ، ويجوز أن يكون ردف مما تعدى بحرف جر وبغير حرف جر . التهذيب في قوله تعالى : ردف لكم قال : قرب لكم ، وقال الفراء : جاء في التفسير دنا لكم فكأن اللام دخلت إذ كان المعنى دنا لكم ، قال : وقد تكون اللام داخلة والمعنى ردفكم كما يقولون نقدت لها مائة أي : نقدتها مائة . وردفت فلانا وردفت لفلان أي : صرت له ردفا ، وتزيد العرب اللام مع الفعل الواقع في الاسم المنصوب فتقول سمع له وشكر له ونصح له أي : سمعه وشكره ونصحه . ويقال : أردفت الرجل إذا جئت بعده . الجوهري : يقال كان نزل بهم أمر فردف لهم آخر أعظم منه . وقال تعالى : تتبعها الرادفة . وأتيناه فارتدفناه أي : أخذناه أخذا . والروادف : رواكيب النخلة ، قال ابن بري : الراكوب ما نبت في أصل النخلة وليس له في الأرض عرق . والردافى ، على فعالى بالضم : الحداة والأعوان ; لأنه إذا أعيا أحدهم خلفه الآخر ، قال لبيد :


                                                          عذافرة تقمص بالردافى     تخونها نزولي وارتحالي



                                                          وردفان : موضع والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية