الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 836 ] ( يحنث في حلفه ) ولو بالفارسية ( لا يضرب زوجته فمد شعرها أو خنقها أو عضها أو قرصها ) ولو ممازحا خلافا لما صححه في الخلاصة ( والقصد ليس بشرط فيه ) أي في الضرب ( وقيل شرط على الأظهر ) والأشبه بحر وبه جزم في الخانية والسراجية .

وأما الإيلام فشرط به يفتى ويكفي جمعها بشرط إصابة [ ص: 837 ] كل سوط ، وأما قوله تعالى - { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } - أي حزمة ريحان فخصوصية لرحمة زوجة أيوب عليه الصلاة والسلام فتح .

التالي السابق


( قوله أو خنقها ) أي عصر حلقها ط عن الحموي .

( قوله خلافا لما صححه في الخلاصة ) قال في النهر : وإطلاقه يعم حالة الغضب والرضا لكن في الخلاصة لو عضها أو أصاب رأس أنفها فأدماها ففي الجامع الصغير إن كان في حالة الغضب يحنث وإن كان في حالة الملاعبة لا يحنث وهو الصحيح ا هـ وذكره في البحر أيضا عن الظهيرية ، لكن في الفتح قال فخر الإسلام وغيره هذا يعني الحنث إذا كان في الغضب أما إذا فعل في الممازحة فلا يحنث ولو أدماها بلا قصد الإدماء وعن الفقيه أبي الليث أنه قال : أراها في العربية ، أما إذا كانت بالفارسية فلا يحنث بمد الشعر والخنق والعض . والحق أن هذا هو الذي يقتضيه النظر في العربية أيضا إلا أنه خلاف المذهب ا هـ قال المقدسي : لعل وجهه أن هذا اللفظ صار في العرف منعا لنفسه عن إيلامها بوجه ما هو يشبه عموم المجاز فإن مطلق الإيلام شامل لتلك الأقسام ا هـ وقول الفتح إلا أنه خلاف المذهب قد يشمل حالة الممازحة كما فهمه الشارح تبعا للمصنف مخالفا لتصحيح الخلاصة ، وعبارة المصنف في منحه أطلقه تبعا لما في الهداية والكنز وغيرهما من المعتبرات فانتظم ما إذا كانت اليمين بالعربية والفارسية ، وما إذا كان في حالة الغضب أو المزاح وهو المذهب كما أفاده الكمال ا هـ فافهم .

( قوله والقصد ليس بشرط فيه ) حتى لو حلف لا يضرب زوجته فضرب غيرها فأصابها يحنث لأن عدم القصد لا يعدم الفعل ( قوله وقيل شرط ) لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه بحر ( قوله ويكفي جمعها إلخ ) أي لو حلف على عدد معين من الأسواط قال في البحر عن الذخيرة : حلف ليضربن عبده مائة سوط ، فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث قالوا هذا إذا ضرب ضربا يتألم به وإلا فلا يبر لأنه

[ ص: 837 ] صورة لا معنى والعبرة للمعنى ، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر لأنها صارت مائة ، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه ضربة إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر لأن كل الأسواط لم يقع على بدنه ، وإن ضربه برأسها إن سوى رءوسها قبل الضرب بحيث يصيبه رأس كل سوط بر وأما إذا اندس منها شيء لا يبر عند عامة المشايخ وعليه الفتوى ا هـ وفي الفتح حتى إن من المشايخ من شرط كون كل عود بحال لو ضرب به منفردا لأوجع المضروب ، وبعضهم قالوا بالحنث على كل حال والفتوى على قول عامة المشايخ وهو أنه لا بد من الألم ( قوله وأما قوله تعالى إلخ ) جواب عما أورد على أخذ الإيلام في مفهوم الضرب فإنه لا إيلام بحزمة الريحان ، فيكون خصوصية إن كانت هي المرادة بالضغث ، وعن ابن عباس أنها قبضة من أغصان الشجر ، وهذا جواب بالمنع أي منع الإيراد والأول جواب بالتسليم كما في الفتح .

وأجاب في الحواشي السعدية بأن الضرب في الآية مستعمل فيما لا إيلام فيه فلا يرد السؤال ، فإن مبنى الأيمان على العرف لا على ألفاظ القرآن ( قوله ضغثا ) في المصباح هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها ، ويقال ملء الكف من قضبان وحشيش أو شماريخ ، والذي في الآية قيل كان حزمة من أسل فيها مائة عود وهو قضبان دقاق لا ورق لها يعمل منه الحصر والأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع ( قوله فخصوصية لرحمة ) قال القاضي البيضاوي : زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت قراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة وأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة فحلل الله تعالى يمينه من ذلك . ا هـ . ح .

قال في الفتح : ودفع كونه خصوصية بأنه تمسك به في كتاب الحيل في جواز الحيلة وفي الكشاف هذه الرخصة باقية .

والحق أن البر بضرب بضغث بلا ألم أصلا خصوصية لزوجة أيوب عليه السلام .

ولا ينافي ذلك بقاء شرعية الحيلة في الجملة حتى قلنا إذا حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها وضرب بها مرة لا يحنث ، لكن بشرط أن يصيب بدنه كل سوط منها إلخ .




الخدمات العلمية