الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1036 ( وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران، ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر، فرسخا ).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا التعليق أسنده البيهقي ، فقال: أخبرنا ابن حامد الحافظ ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، حدثنا أبو بكر النيسابوري ، حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، حدثنا حجاج ، حدثني ليث ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عمر ، وابن عباس كانا يصليان ركعتين، ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك ، قال أبو عمر : هذا عن ابن عباس معروف من نقل الثقات متصل الإسناد عنه من وجوه: منها ما رواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء عنه، وقال ابن أبي شيبة : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمر ، وأخبرني عطاء عنه، وحدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن الغاز ، عن ربيعة الجرشي ، عن عطاء عنه، وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا كثيرا، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج ، عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر ، وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا ، وروى وكيع من وجه آخر، عن ابن عمر أنه قال: يقصر من المدينة إلى السويداء ، وبينهما اثنان وسبعون ميلا . وروى عبد الرزاق ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه أنه سافر إلى ريم ، فقصر الصلاة قال عبد الرزاق : وهي على ثلاثين ميلا من المدينة ، وروى ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن مسعر ، عن محارب : سمعت ابن عمر يقول: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ، وقال الثوري : سمعت جبلة بن سحيم ، سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة ، وإسناد كل من هذه الآثار صحيح، وقد اختلف في ذلك على ابن عمر ، وأصح ما روي عنه ما رواه ابنه سالم ونافع أنه كان لا يقصر إلا في اليوم التام أربعة برد ، وفي " الموطإ "، عن ابن شهاب ، عن مالك ، عن سالم ، عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: على هذا في تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال لا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى.

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس فيه إشكال ; لأن هذا لا يشبه أن يكون رأيا إنما يشبه أن يكون توقيفا على أن أصحابنا أيضا اختلفوا في هذا الباب اختلافا كثيرا، فالذي ذكره صاحب " الهداية " السفر الذي تتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل، ومشي الأقدام، وقدر أبو يوسف بيومين وأكثر.

                                                                                                                                                                                  الثالث: وهو رواية الحسن ، عن أبي حنيفة ، ورواية ابن سماعة عن محمد ، وقال المرغيناني : وعامة المشايخ قدروها بالفراسخ، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر فرسخا، قال المرغيناني : وعليه الفتوى، وقيل: خمسة عشر فرسخا، وما ذكره صاحب " الهداية " هو مذهب عثمان ، وابن مسعود ، وسويد بن غفلة ، وفي " التمهيد ": وحذيفة بن اليمان ، وأبو قلابة ، وشريك بن عبد الله ، وابن جبير ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، والثوري ، والحسن بن حي ، وقد استقصينا الكلام فيه في باب الصلاة بمنى .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهو ستة عشر، فرسخا من كلام البخاري " أي البرد ستة عشر فرسخا، والبرد بضم الباء الموحدة جمع بريد، وقال ابن سيده : البريد فرسخان، وقيل: ما بين كل منزلين بريد، وقال صاحب " الجامع ": البريد أميال معروفة، يقال: هو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وفي " الواعي ": البريد سكة من السكك كل اثني عشر ميلا بريد، وكذا [ ص: 126 ] ذكره في " الصحاح " وغيره، وفي " الجمهرة ": البريد معروف عربي، والفرسخ قال ابن سيده : هو ثلاثة أميال أو ستة، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح كأنه سكن، والفرسخ السكون، وفي " الجامع " قيل: إنما سمي فرسخا من السعة، وقيل: المكان إذا لم يكن فيه فرجة فهو فرسخ، وقيل: الفرسخ الطويل، وفي " مجمع الغرائب ": فراسخ الليل والنهار ساعاتهما وأوقاتهما، وفي " الصحاح ": هو فارسي معرب.

                                                                                                                                                                                  والميل من الأرض معروف، وهو قدر مد البصر، وقيل: ليس له حد معلوم، وقيل: هو ثلاثة آلاف ذراع، وعن يعقوب : منتهى مد البصر، ويقال: الميل عشر غلوات، والغلوة طلق الفرس، وهو مائتا ذراع.

                                                                                                                                                                                  وفي " المغرب " للمطرزي : الغلوة ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، وقيل: هو قدر رمية سهم، وقال ابن عبد البر : أصح ما في الميل أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة، وقيل: أربعة آلاف ذراع، وقيل: ألف خطوة بخطوة الجمل، وقيل: هو أن ينظر إلى الشخص، فلا يعلم أهو آت أو ذاهب، أو رجل هو أو امرأة، وقال عياض : وقيل: اثنا عشر ألف قدم، وعن الحربي : قال أبو نصر : هو قطعة من الأرض ما بين العلمين.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية