الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  993 باب الصلاة في كسوف الشمس

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان مشروعية صلاة كسوف الشمس ، والكلام فيه على أنواع، الأول: أنه لا خلاف في مشروعية صلاة الكسوف، والخسوف، وأصل مشروعيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أما الكتاب، فقوله تعالى: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا والكسوف آية من آيات الله المخوفة، والله تعالى يخوف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعة الله التي فيها فوزهم، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة " ، وأما الإجماع، فإن الأمة قد اجتمعت عليها من غير إنكار أحد .

                                                                                                                                                                                  الثاني: أن سبب مشروعيتها هو الكسوف، فإنها تضاف إليه، وتتكرر بتكرره .

                                                                                                                                                                                  الثالث: أن شرط جوازها هو ما يشترط بسائر الصلوات .

                                                                                                                                                                                  الرابع: أنها سنة، وليست بواجبة، وهو الأصح، وقال بعض مشايخنا: إنها واجبة للأمر بها، ونص في ( الأسرار ) على وجوبها، وصرح أبو عوانة أيضا بوجوبها، وعن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، وقيل: إنها فرض كفاية . [ ص: 62 ] واستبعد ذلك .

                                                                                                                                                                                  الخامس: أنها تصلى في المسجد الجامع، أو في مصلى العيد .

                                                                                                                                                                                  السادس: أن وقتها هو الوقت الذي يستحب فيه سائر الصلوات دون الأوقات المكروهة، وبه قال مالك ، وقال الشافعي : لا يكره في الأوقات المكروهة.

                                                                                                                                                                                  السابع: في كمية عدد ركعاتها، فعند الليث بن سعد ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور : صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان، فتكون الجملة أربع ركوعات، وأربع سجدات في ركعتين، وعند طاوس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعبد الملك بن جريج : ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان، فتكون الجملة ثمان ركوعات، وأربع سجدات، ويحكى هذا عن علي ، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وعند قتادة ، وعطاء بن أبي رباح ، وإسحاق ، وابن المنذر : ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان، فتكون الجملة ست ركوعات، وأربع سجدات، وعند سعيد بن جبير ، وإسحاق بن راهويه في رواية، ومحمد بن جرير الطبري ، وبعض الشافعية : لا توقيت فيها، بل يطيل أبدا، ويسجد إلى أن تنجلي الشمس، وقال عياض : وقال بعض أهل العلم: إنما ذلك بحسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الركوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسط اقتصد فيه، قال: وإلى هذا نحا الخطابي ، ويحيى ، وغيرهما، وقد يعترض عليه بأن طولها ودوامها لا يعلم من أول الحال، ولا من الركعة الأولى، وعند إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد : هي ركعتان كسائر صلاة التطوع في كل ركعة ركوع واحد وسجدتان، ويروى ذلك عن ابن عمر ، وأبي بكرة ، وسمرة بن جندب ، وعبد الله ابن عمرو ، وقبيصة الهلالي ، والنعمان بن بشير ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله بن الزبير ، ورواه ابن أبي شيبة ، عن ابن عباس ، وفي ( المحيط، عن أبي حنيفة إن شاءوا صلوها ركعتين، وإن شاءوا أربعا، وفي البدائع، وإن شاءوا أكثر من ذلك، هكذا رواه الحسن عن أبي حنيفة ، وعند الظاهرية يصلي لكسوف الشمس خاصة إن كسفت من طلوعها إلى أن يصلى الظهر ركعتين، وإن كسفت من بعد صلاة الظهر إلى أخذها في الغروب صلى أربع ركعات كصلاة الظهر، والعصر، وفي كسوف القمر خاصة إن كسف بعد صلاة المغرب إلى أن يصلي العشاء الآخرة صلى ثلاث ركعات كصلاة المغرب، وإن كسفت بعد صلاة العتمة إلى الصبح صلى أربعا كصلاة العتمة، واحتجوا في ذلك بحديث النعمان بن بشير : " إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها " .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية